
كيدال، أزواد – في فاجعة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات في إقليم أزواد، قُتلت أسرة بأكملها، مكونة من امرأتين وثلاثة أطفال، في غارة جوية نفذها الجيش المالي صباح اليوم الخميس، 18 سبتمبر 2025، استهدفت خيمتهم بشكل مباشر في منطقة “جنششي” القريبة من مدينة كيدال.
لم تكتفِ الغارة بحصد أرواح الأبرياء داخل الخيمة، بل أتت على كل ممتلكاتهم البسيطة، في مشهد يعكس استهدافًا ممنهجًا للمدنيين العزل. وفي نفس السياق، شنت الطائرة غارة ثانية استهدفت سيارة مدنية في المنطقة ذاتها، مما أدى إلى تدميرها بالكامل وإصابة صاحبها الذي كان على مقربة منها.

وتأتي هذه المجزرة في ظل مفارقة صارخة؛ فبينما توجه السلطات الحاكمة في باماكو آلتها العسكرية الفتاكة نحو المدنيين في أزواد، يتمدد نفوذ الجماعات الجهادية في جنوب مالي ووسطها، حيث تكثف هجماتها بشكل شبه يومي من كاي غربًا إلى سيكاسو شرقًا وصولا بوابات العاصمة في كاسيا و زنتيجلا ، فارضة حصارًا خانقًا على الوقود يهدد بشل حركة الحياة في البلاد.
ورغم سيطرة هذه الجماعات على مقرات وبوابات أمنية تابعة للجيش المالي بعضها قرب العاصمة بماكو، إلا أن الطائرات المسيّرة، التي أثبتت فعاليتها في استهداف التجمعات المدنية، تظل مخصصة بشكل شبه حصري لإقليم أزواد. هناك، يبدو أن المدنيين وممتلكاتهم لا يختلفون في نظر باماكو عن الأهداف العسكرية المشروعة، ومقتلهم لا يعدو كونه “نقصًا في عدد الأعداء”.
في المقابل، يقتصر الرد في مناطق الجنوب على عمليات محدودة، كالغارات التي استهدفت منازل مهجورة في سيغو يوم 14 سبتمبر، دون أن تطال أيًا من قادة أو عناصر تلك الجماعات فضلا عن المدنيين.
إن استهداف اليوم ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة في سلسلة ما تصفه منظمات حقوقية أزوادية، مثل “جمعية كل اكال” و”التجمع من أجل الدفاع عن الشعب الأزوادي”، بأنها “حملة إبادة جماعية” بدأت منذ يوليو 2023. وتشير إحصائيات هذه المنظمات إلى مقتل ما يقارب ألف مدني من الطوارق والعرب والفلان في غارات مماثلة.
إن ما ترتكبه السلطات المالية اليوم في أزواد وماسينا يتجاوز كونه عملًا عسكريًا ليصبح عملية تطهير عنصري واضحة المعالم، تستهدف مجتمعات بعينها بهدف إبادتها أو تهجيرها. وهو النهج الذي أثبت التاريخ أن ثمنه سيكون باهظًا، فهو يغذي جذور الصراع، ويضمن أن دماء ضحايا اليوم ستكون وقودًا لثورة أبنائهم في العقد القادم، في حلقة مفرغة من العنف لا تنتهي إلا بتحقيق العدالة والانفصال عن سلطة مركزية لا ترى فيهم سوى أعداء.