وقع هجوم جديد بطائرة مسيّرة شنّته القوات المسلحة المالية (فاما) في منطقة فرش بولاية تمبكتو ليلة 24 أكتوبر 2025، وأسفر عن مقتل ثمانية مدنيين، بينهم ست نساء وفتاتان صغيرتان، وفق ما أكدته مصادر محلية ومنظمات محلية١ . الغارة استهدفت خيمة بدوية في تجمع للرعاة، ما أدى إلى احتراقها بالكامل ومقتل جميع من بداخلها وهم من نفس العائلة . هذه الحادثة تأتي في سياق تصاعد وتيرة العمليات الجوية التي ينفذها الجيش المالي مدعوماً بعناصر فيلق إفريقيا (الذي حل محل فاغنر مؤخراً) ضد المدنيين في أزواد.
تصاعد الضربات ضد المدنيين
تشير تقارير منظمات حقوقية إلى أن الجيش المالي يعتمد بشكل متزايد على الطائرات المسيرة التركية الصنع، من طراز “بيرقدار تي بي2” و”أقنجي”، التي تُدار في كثير من الأحيان بمشاركة خبراء أو مرتزقة روس . وتفيد مصادر من منظمات مدنية أن أكثر من 95% من الغارات الجوية منذ عام 2023 استهدفت مدنيين، من رعاة ومسافرين ومنقبين عن الذهب، في مناطق نائية مثل غاو وتمبكتو وكيدال ودوينتزا و مينكا. وتشير تقديرات مراقبين مستقلين إلى مقتل أكثر من ألف مدني بهذه الغارات وحدها .
إحصائيات ACLED لعام 2025
وفقاً لآخر مراجعات قاعدة بيانات النزاعات المسلحة (ACLED)، شهدت مالي في النصف الأول من عام 2025 أعلى مستويات العنف منذ سنوات، حيث قُتل آلاف المدنيين في عمليات نسبت إلى القوات الحكومية وحلفائها من الفيلق الإفريقي . وتُظهر بيانات يوليو 2025 أن نحو 65% من أحداث العنف المسجلة كانت ضد المدنيين تحديداً، وهو ما يمثل تدهوراً غير مسبوق في الوضع الإنساني في أزواد.
الأنماط المتكررة للعنف
تتكرر الضربات الجوية ضد أهداف مدنية في المناطق التي يسكنها الطوارق و العرب و الفلان، كامتداد لحملة تصعيدية بدأتها السلطات العسكرية منذ انسحاب قوات الأمم المتحدة منتصف 2023. فبالإضافة إلى غارة فرش، نفذت القوات المالية بالتزامن ضربات في دوما بدائرة نيونو استهدفت سيارة لتاجر طارقي، وفي مارس قُتل 18 مدنيا آخرين في سوق أجدير شمال تمبكتو .
قراءة سياسية وأمنية
يرى محللون أن هذه الغارات تمثل جزءاً من سياسة “الأرض المحروقة” التي يعتمدها التحالف العسكري الروسي المالي لإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية. ويشير مراقبون من منظمات بحثية مثل Global Initiative إلى أن الفيلق الإفريقي، الذي تولى مهام فاغنر في يونيو 2025، يميل إلى استخدام الطائرات المسيرة كسلاح رعب لفرض الهيمنة على المنطقة مع تخوف من المواجهة المباشرة مع جبهة تحرير أزواد التي هزمته في جميع المعارك منذ بدأه للعمل خلفا لفاغنر التي تعرضت هي الاخرى لهزيمة تاريخية على يد الجيش الأزوادي في تينظواتين.
الخاتمة
حادثة فرش ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من المآسي التي تعصف بمنطقة، حيث يدفع المدنيون، وخصوصاً من الطوارق والعرب والفلان، ثمناً باهظاً لصراع تتداخل فيه الأطماع الجيوسياسية والعسكرية. وبينما تلتزم السلطات العسكرية في باماكو الصمت حيال الاتهامات الموجهة إليها، تتزايد الدعوات الدولية والمحلّية لتوثيق هذه الجرائم وضمان محاسبة مرتكبيها .
