أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، التابعة لتنظيم القاعدة، مساء اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025، سيطرتها الكاملة على بوابة تابعة لـ ميليشيا غاتيا الموالية للجيش المالي في المنجم، والذي أسفر حسب مصادر محلية عن مقتل عدد من عناصر الميليشيات. ويأتي هذا الهجوم بعد إصدار قيادة الجيش المالي إنذارًا للمنقبين بمغادرة الموقع وتسليمه لشركة سورم مالي (SOREM)، في خطوة فجّرت خلافات جديدة وأشعلت قتالًا بين الأطراف المتنازعة على “ذهب أزواد”.
تصعيد النصرة: تحوّل في موازين السيطرة
يُعدّ هجوم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) على منجم إنتهاقا الأول منذ سنوات، ويشير إلى انهيار اتفاق تقاسم السيطرة والضرائب الذي كان قائمًا بينها وبين الميليشيات الموالية للجيش المالي (ميليشيا غاتيا التابعة للجنرال الهجي غامو). جاء هذا التغيير في الديناميكية بعد أن أعلنت الحكومة المالية طرد المنقبين وتسليم المنجم لشركة SOREM، التي تتهمها مصادر محلية بتمويل أنشطة المرتزقة الروس. وقد أسفرت العملية عن اشتباكات أدت إلى مقتل عدد من الميليشيات، التي كانت قد سيطرت مؤخرًا وطردت المنقبين الأصليين والأجانب.
إنذار باماكو وتبرير الجيش المالي
التوتر بدأ مع إصدار قائد المسرح الشرقي لعملية “دوغوكولوكو” في الجيش المالي، الجنرال مامادو ماساووليه سماكي، إنذارًا شديد اللهجة للمنقبين في 24 أكتوبر، مطالبًا إياهم بـ“المغادرة فوراً”.
وجاء هذا القرار، بحسب بيان عسكري سابق في 14 أكتوبر، بهدف “فرض النظام في قطاع التعدين” ومواجهة “الأنشطة العشوائية” في المنجم الذي تم إسناده رسمياً لـ “سورم مالي ش.م” (SOREM). وأكد الجنرال سماكي أن الدولة لن تتسامح مع الفوضى التي تهدد “الأمن والبيئة وسبل عيش المجتمعات”.
جبهة تحرير أزواد: “نهب لثروات الإقليم”
قوبل القرار المالي برفض قاطع من جبهة تحرير أزواد (FLA)، التي اعتبرته “غير شرعي” ويمثل عملية “نهب جديدة” لثروات إقليم أزواد لصالح النظام العسكري وحلفائه الروس. في بيان صادر بتاريخ 15 أكتوبر 2025، رفضت الجبهة “بأشد العبارات” منح حق الاستغلال لشركة SOREM، مؤكدة أن ثروات أزواد ملك خاص لشعب أزواد.
وحذرت الجبهة أي شركة أجنبية من الانخراط في أنشطة تعدينية بناءً على تراخيص صادرة عن “النظام المالي القمعي”، مهددة بأنها ستتحمل “المسؤولية الكاملة عن تبعات أفعالها”، ومشددة على أنها ستدافع “بكل الوسائل المشروعة” عن ثروات الإقليم ضد كل أشكال النهب أو التعاون الاقتصادي مع المجلس العسكري.
اتهامات بتمويل المرتزقة الروس
ترى أوساط أزوادية أن الهدف الحقيقي من إسناد المنجم لـ SOREM هو تأمين موارد مالية لمرتزقة فاغنر / الفيلق الإفريقي دون عبء مباشر على الخزينة الحكومية، خاصة بعد تزايد تكاليف عملياتهم. وتصف الجبهة الخطوة بأنها “بيع صريح لثروات أزواد في سوق التدخلات الأجنبية”.
منجم إنتهاغا: جوهر الصراع
يُعد منجم إنتهقا، الذي اكتُشف بين عامي 2020 و 2021 في غاو، أحد أهم مواقع استخراج الذهب في أزواد، وقد تحوّل إلى وجهة إقليمية للباحثين عن الذهب من عدة دول. تاريخياً، تولى “الإطار الاستراتيجي الدائم” حمايته (2022-2023)، قبل أن يتقاسم السيطرة عليه مقاتلو النصرة وميليشيات غاتيا بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مع باماكو.
وفي أبريل 2024، شهد الموقع تدخلًا لقوة فاغنر الروسية التي طالبت غاتيا بمغادرته، مما كشف عن خلافات داخل معسكر المجلس العسكري، قبل أن يستقر الوضع على إدارة مشتركة بين غاتيا والنصرة لفرض الضرائب.
تداعيات وشيكة: نزوح وأمن مهدد
يُتوقع أن يؤدي الإنذار العسكري وعملية الإخلاء القسري إلى نزوح جماعي لآلاف المنقبين المحليين والأجانب. ويحذر مراقبون من أن هذه العملية قد تتسبب في صدامات عنيفة، خاصة مع تهديد بعض المجموعات بالبقاء والدفاع عن مصادر رزقها. كما يُخشى من أن يؤدي إغلاق المنجم إلى زيادة البطالة وتدهور الوضع الأمني وعودة أنشطة التهريب والجريمة المنظمة في المنطقة.
إن معركة إنتهاغا تتجاوز كونها صراعًا على مورد طبيعي، لتصبح معركة على السلطة والسيادة في أزواد. فبين إصرار باماكو على “شرعية الدولة” في إدارة الموارد، وتأكيد جبهة تحرير أزواد أن الثروة لا تنفصل عن الهوية والسيادة المحلية، يبقى المنجم عنوانًا لصراع طويل يتجاوز حدود الجغرافيا.
