
في تطور لافت ضمن خارطة تحركات تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، عيّنت الجماعة طلحة الليبي، المعروف بـ”أبو هند”، مسؤولًا عن المنطقة المعروفة بـ”مثلث الحدود” بين مالي وموريتانيا والسنغال، وذلك بعد عزله من ولاية تومبكتو في فبراير 2025.
يأتي هذا التعيين بالتزامن مع إعلان الجماعة الجهادية عن فرض حصار شامل على مدينتي كاي ونيورو، الحدوديتين مع السنغال وموريتانيا، في خطوة ستؤدي عمليًا إلى قطع طرق الإمداد التجاري بين هذه الدول ومالي. ويتوقع أن تكون لهذا الحصار تداعيات اقتصادية خطيرة، خاصة على الداخل المالي الذي يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية متصاعدة.
طلحة الليبي: من إمارة تومبكتو إلى قيادة الحدود
يُعد طلحة الليبي من أبرز القيادات التاريخية في التنظيمات الجهادية بشمال وغرب إفريقيا. وُلد في ليبيا في تسعينات القرن الماضي لأب موريتاني وأم أزوادية، وقد نزحت أسرته من أزواد إلى ليبيا هربًا من المجازر التي ارتكبها الجيش المالي بحق العرب والطوارق بعد ثورة 1990.
نشأ طلحة في ليبيا، قبل أن يعود إلى أزواد عام 2006 حيث انخرط في صفوف تنظيم القاعدة، وتولى لاحقًا مهمة تجنيد الشباب في دول غرب إفريقيا، منها النيجر وبوركينا فاسو والجزائر ونيجيريا. وفي 2012، عُيّن أميرًا لإمارة تومبكتو التابعة للقاعدة، واستمر في هذا المنصب حتى تم استبداله مطلع 2025 بعبد الرحمن الجزائري، المقرب من يوسف العنابي، زعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
دلالات التعيين الجديد
رغم عزله من تومبكتو، فإن تعيين طلحة في منطقة “مثلث الحدود” يعكس استمرار الثقة به داخل التنظيم، ويُظهر أن القاعدة لم تتخلّ عنه، بل ربما اختارت له مهمة أكثر تعقيدًا وحساسية. فهذه المنطقة تُعدّ من أبرز النقاط الاستراتيجية في تهريب السلاح والبضائع وتحركات الجماعات المسلحة، إضافة إلى كونها عقدة مواصلات تربط غرب إفريقيا بالداخل المالي.
ظهور إعلامي محدود لكنه مؤثر
رغم ظهوره المحدود إعلاميًا، إلا أن طلحة الليبي لفت الأنظار في 2023 حين بدأت قوات الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية هجومًا واسعًا على مناطق سيطرة الحركات الأزوادية. حينها، كثف الليبي من ظهوره عبر تطبيق واتساب، ناشرًا رسائل صوتية دعا فيها إلى مقاومة التقدم المالي–الروسي، وحثّ الشباب على التجنيد والدفاع عن مدينة بير.
لكنّ هذا الحراك الإعلامي لم يقابله تحرك ميداني فعّال، إذ لم تشارك جماعته في صد الهجمات، واكتفى التنظيم بفرض حصارات على مدن مثل تومبكتو وليري، ما أضر أكثر بالمدنيين وقطع الإمدادات عن السكان، في حين واصل الجيش المالي وفاغنر تقدمهم مدعومين بالقوة الجوية.
تصعيد جديد ومخاطر أكبر
بفرض الحصار على كاي ونيورو، تدخل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مرحلة جديدة من المواجهة غير المباشرة مع الحكومة المالية، مستخدمة أسلوب الحصار كأداة ضغط اقتصادي. إلا أن التجربة السابقة تظهر أن هذه الاستراتيجية غالبًا ما تضر السكان المحليين أكثر مما تعيق التحركات العسكرية، ما ينذر بأزمة إنسانية جديدة في المناطق الحدودية، إلا الجماعة أكدت أن هذا الحصار يستهدف المدنيين أيضا بعد دعمهم الواضح للجيش المالي والفيلق الإفريقي ضد الجماعة ، مؤكدة أنها حذرتهم ثلاث مرات دون أن تاخذوا تلك التحذيرات بعين الاعتبار.
ويبقى أن نرى ما إذا كان طلحة الليبي سينجح في مهمته الجديدة، أو ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد محاولة لإعادة تفعيل قيادي قديم في منطقة تشهد احتدامًا متزايدًا بين التنظيمات المسلحة والدولة المالية المدعومة بقوات أجنبية روسية.
المصادر : الصحفي محمدن أيب أيب + النهضة