تعيش مالي واحدة من أسوأ أزماتها منذ الإستقلال، وسط حصار خانق تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM)، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على إمدادات الوقود في البلاد.
فمنذ سبتمبر الماضي، تشن الجماعة حملة واسعة ضد قوافل البنزين القادمة من ساحل العاج والسنغال، مستهدفة الشاحنات المرافقة للوحدات العسكرية المالية والمقاتلين الروس من “الفيلق الإفريقي” (الاسم الجديد لمجموعة فاغنر).
هذه الحملة التي تصفها مصادر أمنية بأنها “حرب اقتصادية شاملة”، أدت إلى احتراق مئات الشاحنات ومقتل عشرات الجنود والسائقين في كمائن متكررة، خصوصًا على المحاور الحيوية بين سيكاسو، كاي، ونيورو، ما أدى إلى شلّ حركة النقل بالكامل في جنوب وغرب البلاد.
أزمة وقود غير مسبوقة
باماكو، العاصمة التي كانت تبدو بعيدة عن جبهات القتال في الشمال، تعيش اليوم على وقع أزمة خانقة في الوقود.
فأسعار البنزين تضاعفت خمس مرات في بعض الأحياء، واصطفّت طوابير طويلة أمام محطات الوقود التي باتت شبه فارغة، فيما تُباع القارورة الصغيرة في السوق السوداء بأسعار خيالية.
هذا الوضع أدى إلى توقف شبه كامل لحركة السير والمواصلات العامة، وإعلان تعليق الدراسة في المدارس والجامعات ومعاهد التكوين المهني، في حين يتحدث السكان عن حياة يومية أصبحت لا تُطاق بسبب انقطاع الكهرباء وصعوبة التنقل وارتفاع الأسعار.
ردود دولية وتحذيرات من الانهيار
في باريس، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن ما يحدث في مالي يؤكد فشل خيار باماكو بالارتماء في أحضان موسكو.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية، باسكال كونفافرُو، أن “وجود روسيا أو الجماعات المسلحة المرتبطة بها لم يحقق الأمن للماليين، بل زاد الوضع سوءًا”، في إشارة إلى القوات الروسية المنتشرة إلى جانب الجيش المالي.
من جهتها، دعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأربع عشرة دولة أوروبية أخرى رعاياها إلى مغادرة مالي فورًا، وحذّرت عشرات الدول من السفر إليها، وسط مخاوف حقيقية من احتمال سقوط باماكو في أيدي الجماعة الجهادية إذا استمر الحصار على هذا النحو.
جبهة الجنوب تشتعل
ويرى مراقبون أن توسع عمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى مناطق الجنوب، بعد أن كانت تتركز في أزواد وماسينا ، يمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا في أسلوب القتال.
فالجماعة لم تعد تكتفي بالهجمات العسكرية المباشرة، بل باتت تستخدم الحصار الاقتصادي كسلاح لإخضاع العاصمة دون الحاجة إلى اقتحامها عسكريًا، في تكتيك وصفته قناة الجزيرة بأنه “غير مسبوق في تاريخ الصراع المالي”.
مستقبل غامض
بين أزمة الوقود، وانعدام الأمن، والتململ الشعبي المتزايد، تبدو سلطة الديكتاتوري عاصيمي غويتا في موقف صعب.
فروسيا التي وعدت بالاستقرار لم تقدم الدعم الميداني الكافي، والجيش المالي يواجه استنزافًا مستمرًا في الأرواح والمعدات.
ومع كل يوم يمرّ، تزداد القناعة داخل الأوساط المحلية والدولية بأن باماكو اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى السقوط أو الفوضى الشاملة.
الأزمة الحالية في مالي لم تعد مجرد مواجهة بين الجيش والجماعات المسلحة، بل صارت معركة بقاء لدولة بأكملها، تُخنق ببطء تحت حصار الوقود وسوء الحسابات السياسية.
