إعدامات ميدانية وقطع رؤوس وحالات اغتصاب… شهادات مروّعة يكشفها تحقيق جديد لوكالة أسوشيتد برس عن انتهاكات ارتكبها “فيلق أفريقيا” الروسي في مالي. فما الذي حدث هناك؟ وماذا نعرف عن هذا الفيلق؟
تعرضت مالي خلال الفترة الماضية لحصار خانق في الوقود فرضته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ما أدى إلى تصاعد حدة القتال بينها وبين الجيش المالي، بمشاركة قوات تُعرف باسم فيلق أفريقيا الروسي. ومع توسّع رقعة المواجهات، تحولت مناطق واسعة من البلاد إلى مسرح لانتهاكات خطيرة نُسبت إلى هذا الفيلق.
تحقيق أسوشيتد برس نقل شهادات 34 لاجئًا تحدثوا عن أساليب وحشية، شملت إعدامات ميدانية وقطع رؤوس واعتداءات جنسية، مؤكدين أن هذه الممارسات تشبه إلى حد كبير ما عُرف سابقًا عن مجموعة فاغنر. وأشارت الوكالة إلى أنه من المستحيل تحديد العدد الحقيقي للضحايا، لا سيما في المناطق النائية، في ظل القيود المتزايدة المفروضة على وصول الصحفيين وعمال الإغاثة إلى البلاد.
محمد توري ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مالي
« كثيرا ما نتلقى شهادات من لاجئين أو النازحين داخليا تشير الى انهم كانوا على اتصال أو رأو في مكان الحادث تلك الجماعات التي يمكن وفصلها بأنها ليست الجيش المالي بل قوات أجنبية متورطة في تلك الصراعات»
من فاغنر إلى فيلق أفريقيا: كيف تغيّر الوجود الروسي؟
تسعى روسيا منذ سنوات إلى توسيع نفوذها في القارة الأفريقية، مقدّمة نفسها كقوة مناهضة للوجود الغربي وداعمة لما تصفه بـ“الاستقلال الأفريقي”. ولتحقيق هذا الهدف، اعتمدت على شركات أمنية خاصة، أبرزها مجموعة فاغنر، التي بدأت وجودها في مالي منذ ديسمبر 2021، مقابل نحو 10 ملايين دولار شهريًا لتقديم خدمات عسكرية للجيش المالي.
ومع قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سحب القوات الفرنسية من مالي عام 2022 بسبب خلافات حادة مع المجلس العسكري الحاكم، سارعت فاغنر إلى ترسيخ وجودها، وحصلت على امتيازات في مجال التعدين مقابل توفير الحماية للنظام العسكري.
لكن المشهد تغيّر جذريًا بعد مقتل قائد فاغنر يفغيني بريغوجين ومساعده ديميتري أوتكين في حادث تحطم طائرة غامض. إثر ذلك، تحركت موسكو لإعادة هيكلة عمليات فاغنر، التي كانت تتمتع بدرجة من الاستقلالية وتُقدَّم ككيان خاص، وأنشأت بدلًا منها تشكيلًا شبه عسكري جديدًا أُطلق عليه اسم فيلق أفريقيا، يخضع بشكل مباشر لوزارة الدفاع الروسية وجهاز الاستخبارات العسكرية، ويشرف عليه نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال يونس-بيك يفكوروف.
وبحلول يونيو 2025، أعلنت فاغنر انتهاء مهمتها في مالي وعودتها إلى روسيا بعد ثلاث سنوات ونصف من القتال. إلا أن فيلق أفريقيا حافظ على الوجود الروسي هناك، كما انتشر في أربع دول أفريقية أخرى كانت سابقًا ساحات رئيسية لنشاط فاغنر، وهي: جمهورية أفريقيا الوسطى، ليبيا، النيجر، وبوركينا فاسو.
سكرو كانسيزوغلو ، ممثل المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موريتانيا
« هناك الكثير من الانتهاكات التي ارتكبت في مالي ، جرائم تتعلق بحقوق الإنسان، هناك الكثير من الأشخاص الذين يتعرضون للإغتصاب ، الاعتداء ، القتل »
قوة كبيرة بوجوه قديمة
يتراوح عدد وحدات فيلق أفريقيا بين فرقتين وخمس فرق، تختلف في الحجم والقدرات القتالية، ويُقدَّر إجمالي عدد عناصره بنحو 45 ألف مقاتل من المرتزقة والمتطوعين، يتمركز قرابة ألفي عنصر منهم في مالي. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 70% من عناصر الفيلق هم أعضاء سابقون في قوات فاغنر، إلى جانب مقاتلين قدامى شاركوا في الحرب الروسية على أوكرانيا.
لين سي فريمان، المديرة الأولى للمساءلة الدولية في مركز حقوق الإنسان التابع لكلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا، أوضحت أن تغيير الاسم لم يخفِ حقيقة الاستمرارية الواضحة بين فاغنر وفيلق أفريقيا، سواء على مستوى الأفراد أو القيادات أو التكتيكات أو حتى الشعارات.
كما أشارت مجلة جورج تاون للشؤون الدولية إلى وجود تداخل كبير بين أنشطة فاغنر وفيلق أفريقيا في أفريقيا، يتمثل في ممارسة العنف، وتأجيج الصراعات المحلية، ودعم حركات التمرد والانفصال، وتقويض مؤسسات الحكم المحلي، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية، خصوصًا الذهب والمناجم التي كانت فاغنر قد سيطرت عليها سابقًا.
موقف السلطات في مالي
ورغم كل ذلك، لم تعلن السلطات المالية رسميًا حتى الآن عن وجود فيلق أفريقيا أو حتى فاغنر سابقًا. بل أكد سفير مالي لدى الأمم المتحدة، عيسى كونفور، أنه لا يوجد مرتزقة على الأراضي المالية، وإنما “مدربون روس” يقدمون المشورة والتدريب للقوات المسلحة المالية على استخدام المعدات القادمة من روسيا.
في المقابل، نشرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية تقارير تشيد بدور فيلق أفريقيا في مواجهة ما تصفه بـ“الجماعات الإرهابية”، مؤكدة أن مهامه تقتصر على المرافقة الميدانية وعمليات البحث والإنقاذ، وذلك بناءً على طلب السلطات المالية.
المصادر: الجزيرة + أسوشيتد برس + Sahel alerte
