تشهد مالي منذ أشهر موجة متصاعدة من عمليات اختطاف الأجانب في المناطق الغربية والجنوبية، في مؤشر خطير على توسّع نفوذ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي باتت تفرض قبضتها على مساحات شاسعة من البلاد، وتتحول تدريجياً من حركة متمرّدة إلى قوة تفرض واقعاً أمنياً واقتصادياً جديداً.
في 6 نوفمبر 2025، أكدت مصادر محلية وصحفية عملية اختطاف ستة هنود في منطقة كوبري التابعة لدائرة كيتا بولاية كاي غرب البلاد. وتشير المعطيات الأولية إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة تقف وراء العملية، في سياق حملة واسعة تستهدف العاملين الأجانب والشركات التي تدعم الاقتصاد المالي.
هذه الحادثة ليست معزولة. فقد سبقتها خلال الأشهر الماضية سلسلة من الهجمات والاختطافات استهدفت مهندسين وفنيين من الهند، الصين، الإمارات، مصر، وباكستان، في وقت باتت فيه مالي من أخطر البيئات للعمل والإقامة في غرب إفريقيا. عدد من الدول، بينها الولايات المتحدة وأستراليا و المملكة المتحدة، أصدرت بالفعل تحذيرات لمواطنيها ودعتهم إلى مغادرة مالي فوراً لتجنّب عمليات الخطف أو القتل.
حرب اقتصادية مفتوحة
تتبنّى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بقيادة إياد أغ غالي، استراتيجية جديدة تقوم على خنق الاقتصاد المالي عبر استهداف شرايينه الحيوية.
فمنذ منتصف عام 2025، كثّفت الجماعة هجماتها على قوافل الوقود القادمة من ساحل العاج والسنغال و غينيا، ما أدى إلى نقص حاد في المحروقات داخل العاصمة باماكو. كما أحكمت السيطرة على الطرق المؤدية إلى العاصمة من جهات كاي، سيغو، وسيكاسو، مانعةً حركة الإمدادات.
ولم تقتصر الهجمات على القوافل فقط، بل طالت المنشآت الاقتصادية الكبرى. ففي 1 يوليو 2025، هاجمت الجماعة مصنع السكر في سوكالا بولاية كاي، وأحرقت أجزاءً منه واختطفت ثلاثة هنود يعملون في المصنع التابع لشركة Diamond Cement Mali SA. وبعد يومين، أعلنت وزارة الخارجية الهندية رسمياً اختطافهم، مؤكدةً أنهم لم يُطلق سراحهم حتى الآن.
فديات ضخمة وتمويل للعمليات
في 23 سبتمبر 2025، اختُطف إماراتي من الأسرة الحاكمة برفقة عاملين إيراني وباكستاني، وتم إطلاق سراحهم بعد شهر واحد مقابل فدية قُدرت بـ70 مليون يورو دفعتها الامارات العربية المتحدة.
وفي 28 أكتوبر 2025، تكررت الحادثة عندما خُطف مصريان ومترجمهما قرب باماكو، وتحدثت مصادر أجنبية عن طلب الجماعة 5.8 مليون دولار مقابل الإفراج عنهم، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.
تؤكد هذه العمليات أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لم تعد تركز على العمل العسكري فحسب، بل تبنّت استراتيجية مالية ممنهجة تتيح لها تمويل أنشطتها وتوسيع نفوذها، عبر الفديات التي تُدفع بملايين الدولارات، أو عبر السيطرة على الطرق والمعابر وفرض الإتاوات على التجارة المحلية والدولية.
مالي في دوامة الخطر
أمام هذا التصعيد، تبدو السلطات المالية عاجزة عن ضبط الوضع، رغم تحالفها الوثيق مع مجموعة الفيلق الإفريقي الروسية التي تشارك في العمليات الميدانية. فبدلاً من تراجع نشاط الجماعة، تزايد نفوذها حتى باتت تهدد العاصمة نفسها، وسط مخاوف من انهيار أمني شامل يعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
يرى مراقبون أن الجماعة تمارس “حرب استنزاف اقتصادية” تهدف إلى شلّ الدولة وإضعاف ثقة المستثمرين الأجانب، لتفرض نفسها كسلطة أمر واقع في الجنوب والغرب.
ما يجري اليوم في مالي لم يعد صراعاً داخلياً محدوداً، بل أزمة إقليمية تهدد أمن غرب إفريقيا بأكمله، وتطرح تساؤلات خطيرة حول جدوى الشراكات الأمنية الجديدة لباماكو، ومستقبل الدولة التي تشير العديد من التقارير انها تتجه نحو السقوط بينما تشدد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بأنها لن ترفع حصارها حتى يسقط النظام في بماكو.
