حذر مشروع التهديدات الحرجة الأمريكي التابع لمعهد أميركان إنتربرايز من أن مالي تتجه بخطى ثابتة نحو الانهيار تحت ضغط تصاعد نفوذ تنظيم القاعدة عبر جناحه الإقليمي المعروف باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في ظل تراجع قدرة الدولة على السيطرة الأمنية وتزايد هشاشة مؤسساتها الحيوية.
وأشار التقرير، الذي أعدّه ليام كار، قائد الفريق الأفريقي في “مشروع التهديدات الحرجة“، إلى أن المشهد المالي الحالي يُذكّر ببدايات سقوط كابول في أفغانستان عام 2021، محذرًا من أن تجاهل الوضع قد يؤدي إلى تكرار السيناريو الأفغاني في غرب أفريقيا.
تحذيرات أمنية غير مسبوقة
بحسب مشروع التهديدات الحرجة، رفعت الولايات المتحدة وعدة دول غربية في نهاية أكتوبر 2024 مستوى التأهب الأمني والتحذيرات من السفر داخل مالي، في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ ما يقارب عشر سنوات. ويُعدّ هذا مؤشراً واضحاً على تصاعد الخطر الميداني واتساع رقعة سيطرة القاعدة في مناطق جديدة من الجنوب والوسط.
ويؤكد التقرير أن الحالة في مالي لم تعد أزمة داخلية، بل تهديداً إقليمياً مباشراً يتطلب تحركاً منسقاً بين الولايات المتحدة وشركائها الأفارقة، عبر زيادة الدعم غير القتالي والمساعدات الاستخباراتية، إلى جانب دراسة احتمال تدخل عسكري بقيادة أفريقية إذا ما انهارت الحكومة في باماكو.
حصار الوقود: سلاح القاعدة الاقتصادي
أوضح مشروع التهديدات الحرجة أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين انتقلت منذ سبتمبر الماضي إلى مرحلة جديدة من الصراع، عبر فرض حصار خانق على إمدادات الوقود في جنوب مالي، ما تسبب في شلل شبه تام للحياة الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
ويصف التقرير هذا الحصار بأنه “حرب اقتصادية بأدوات جهادية”، إذ تستهدف الجماعة قطاعات التعدين والطاقة الأجنبية، بما فيها الاستثمارات الأمريكية والإماراتية. وقد أشار مشروع التهديدات الحرجة إلى أن الجماعة اختطفت عمالاً أجانب وفرضت على الشركات ما تسميه “تصاريح عمل”، وهي عملياً إتاوات مالية. كما دفعت الإمارات مؤخرًا فدية تتراوح بين 50 و70 مليون دولار للإفراج عن رهينتين.
باماكو في خطر.. ولكن دون سقوط وشيك
يرى مشروع التهديدات الحرجة أنه رغم توسع نفوذ الجماعة، من غير المرجح أن تسقط العاصمة باماكو في المدى القريب، لكنها تواجه شللاً حقيقياً في الخدمات العامة والاقتصاد. ويضيف التقرير أن “المدن الكبرى تشهد انقطاعاً متكرراً للكهرباء، وارتفاعاً في الأسعار، وتراجعاً في النشاط التجاري”، ما يجعل الحكومة في موقف هشّ أمام ضغوط الجماعة.
ويحذر المشروع من أن المجلس العسكري المالي بدأ بالفعل بفتح قنوات تواصل غير معلنة مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهو ما قد يفتح الباب أمام مفاوضات تُعيد تشكيل النظام السياسي في البلاد على أسس دينية.
نحو “صوملة” جديدة في الساحل
بحسب مشروع التهديدات الحرجة، فإن انهيار الحكومة المالية سيحوّل البلاد إلى خريطة مجزأة شبيهة بـ”الجبن السويسري” – مدن محدودة تحت سيطرة الجيش وسط مساحات واسعة تديرها القاعدة.
وقد أبرمت الجماعة في السنوات الأخيرة سلسلة من “اتفاقيات البقاء” مع زعماء محليين، تسمح لها بتحصيل الضرائب وتطبيق الشريعة مقابل رفع الحصار، مما خلق سلطات موازية تتعايش مع الدولة الرسمية في مناطق شاسعة.
ويصف المشروع هذا السيناريو بأنه مقدمة لـ”صوملة الساحل”، حيث تتحول مالي إلى مركز نفوذ دائم لتنظيم القاعدة في قلب غرب أفريقيا.
تداعيات إقليمية وإنسانية
يحذر مشروع التهديدات الحرجة من أن انهيار مالي لن يقتصر على حدودها، إذ تمر عبر أراضيها أغلب طرق الهجرة غير النظامية نحو أوروبا. وأي تدهور جديد قد يؤدي إلى أزمة لاجئين ضخمة تشمل موريتانيا والنيجر والجزائر، مع احتمال امتدادها إلى أوروبا نفسها.
ويقدّر المشروع “عدد اللاجئين الماليين الحاليين بأكثر من 300 ألف شخص في دول الجوار”، مؤكداً أن هذا الرقم قد يتضاعف خلال أشهر إذا استمرت الفوضى الأمنية والاقتصادية.
واشنطن مطالبة بخطة استباقية
يوصي مشروع التهديدات الحرجة بأن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون والأفارقة بعدة خطوات عاجلة، أبرزها:
- زيادة الأصول الاستخباراتية في المنطقة لتعقب تحركات الجماعات الجهادية.
- تقديم مساعدات غير فتاكة تشمل العربات المدرعة ومعدات تفكيك العبوات الناسفة.
- دراسة خيار تدخل عسكري أفريقي منسق يشبه عمليات حفظ السلام التي يدعمها الاتحاد الأفريقي في الصومال أو التدخل الرواندي في موزمبيق.
ويؤكد التقرير أن الهدف من أي تدخل كهذا ليس هزيمة القاعدة بالكامل، بل منعها من التفاوض من موقع قوة وخلق توازن ميداني يحافظ على بقاء الدولة.
خاتمة “مشروع التهديدات الحرجة”
يخلص مشروع التهديدات الحرجة الأمريكي إلى أن العالم لا يستطيع الوقوف مكتوف الأيدي أمام تمدد القاعدة في غرب أفريقيا. فرغم أن سيناريو “طالبان مالي” لا يزال مستبعدًا، إلا أن تجاهله سيكون خطأً استراتيجيًا فادحًا.
ويؤكد التقرير أن الفشل في التحرك سيعني قيام دولة جديدة تحت سيطرة القاعدة، واندلاع أزمة لاجئين ضخمة، وخسارة الغرب لشراكاته في واحدة من أكثر المناطق حساسية في القارة الأفريقية.
التقرير:
صادر عن مشروع التهديدات الحرجة (Critical Threats Project) التابع لمعهد أميركان إنتربرايز – واشنطن
إعداد: ليام كار – قائد الفريق الأفريقي في المشروع
