أعلنت الحكومة الكندية، في بيان رسمي على موقعها المخصص لإرشادات السفر مساء اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025 ، دعوتها مواطنيها إلى مغادرة جمهورية مالي في أقرب وقت ممكن، محذّرة من “مخاطر أمنية بالغة تشمل الإرهاب والاختطاف وانهيار الخدمات الأساسية”، في خطوة تأتي ضمن سلسلة تحذيرات مشابهة صدرت خلال الأيام الماضية عن الولايات المتحدة وأستراليا وإسبانيا.
دعوة كندية عاجلة
وجاء في بيان وزارة الخارجية الكندية على موقع voyage.gc.ca أن “الوضع الأمني في مالي خطير ولا يمكن التنبؤ به”، داعية جميع المواطنين إلى تجنّب أي سفر إلى البلاد، ومشدّدة على أن من هم داخلها “عليهم مغادرتها عبر الرحلات التجارية طالما لا تزال متاحة”.
وأكدت أوتاوا أن سفارتها في باماكو تواجه صعوبات في تقديم الخدمات القنصلية، محذّرة من أن التهديد الإرهابي وغياب الأمن والاضطرابات السياسية تجعل من الصعب ضمان سلامة الرعايا الكنديين في مالي.
واشنطن وكانبيرا ومدريد.. التحذيرات تتوسع
وفي موقف مماثل، كانت الولايات المتحدة الأميركية قد دعت قبل يومين مواطنيها إلى مغادرة مالي “فوراً”، وصنّفت البلاد في المستوى الرابع من تصنيفاتها الأمنية، وهو الأعلى ضمن سلّم التحذيرات الذي يعني “لا تسافر لأي سبب”.
وقالت السفارة الأميركية في باماكو إن الهجمات الإرهابية أصبحت “قريبة بشكل مقلق من العاصمة”، وإن الطرق المؤدية إلى الدول المجاورة لم تعد آمنة بسبب الكمائن المسلحة.
أما الحكومة الأسترالية فأكدت في بيان على موقعها الرسمي Smartraveller.gov.au أن السفر إلى مالي “محظور تماماً” بسبب “الخطر الكبير جداً للإرهاب والاختطاف”، مشيرة إلى أن قدرتها على مساعدة المواطنين محدودة للغاية داخل الأراضي المالية.
وبينما لم تُصدر إسبانيا بياناً مستقلاً بشأن مالي، فقد أدرجت وزارة خارجيتها البلاد ضمن قائمة الدول التي “يُمنع السفر إليها أو يُنصح بتجنّبها بشدة”.
خلفية الأزمة.. من الحرب إلى الحصار
تأتي هذه التحذيرات الغربية في وقت تواجه فيه مالي واحدة من أخطر الأزمات منذ سنوات.
فمنذ الانقلاب العسكري عام 2020، يعيش البلد على وقع اضطرابات سياسية وأمنية متواصلة، تفاقمت مع انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما) نهاية عام 2023، تاركة فراغاً أمنياً في مناطق شاسعة من أزواد والوسط ووصلت الجنوب بقوة مؤخرا.
وخلال الأشهر الأخيرة، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة حصاراً على طرق إمداد الوقود من الدول الحدودية السنغال و ساحل العاج و غينيا، ما أدّى إلى شلل شبه تام في حركة النقل، وظهور أزمة وقود غير مسبوقة شملت العاصمة باماكو نفسها.
ويشير مراقبون إلى أن هذا التطور جعل الوضع المعيشي يتدهور بسرعة، مع انقطاع الكهرباء وشحّ المواد الأساسية، مما فاقم شعور السكان بالعزلة والخوف من مستقبل غامض.
تداعيات سياسية واقتصادية
يرى محللون أن التحذيرات المتتالية من السفر إلى مالي تمثل رسالة دبلوماسية مبطّنة تعبّر عن تراجع الثقة الغربية في قدرة الحكومة الانتقالية على السيطرة على الأوضاع.
ويضيف بعضهم أن التحالف المتنامي بين باماكو وموسكو قد يكون أحد العوامل غير المعلنة وراء تشدّد اللهجة الغربية.
اقتصادياً، يتوقع خبراء أن تؤدي هذه التحذيرات إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية وتجميد مشاريع التعاون الإنمائي، فضلاً عن صعوبة تحرك البعثات والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني.
السكان بين الخوف والتحدي
وفي الشوارع المالية، يعيش السكان واقعاً متوتراً بين الخوف من المستقبل والإصرار على الصمود.
فمع انقطاع الوقود وازدحام الطوابير أمام المحطات، يقضي بعض سائقي الدراجات أياماً في الانتظار، بينما تعجز المستشفيات والمخابز عن العمل بشكل منتظم بسبب نقص الطاقة.
يقول أحد سكان باماكو : “نحن نعيش في بلد بلا وقود، بلا كهرباء، وبلا أفق سياسي واضح.. لكننا ما زلنا نأمل في أن تتغير الأمور يوماً ما.”
مالي.. إلى أين؟
مع تصاعد التحذيرات الغربية واشتداد الأزمات الداخلية، يبدو أن مالي تقف أمام مفترق طرق حاسم.
فإما أن فالسلطة الانتقالية غارة في المشاكل الداخلية و اعتقالات مكثفة ضد الجنود والجنرالات المعارضين وتهتم فقط بالكرسي الرئاسي دون أدنى اهتمام بالشعب
وقد تستمر البلاد في دوامة العزلة والانهيار التدريجي حتى يحصل انقلاب جديد أو تمسك الجماعات الجهادية زمام الأمور.
