
باريس، فرنسا – دخلت العلاقات الفرنسية المالية منعطفًا حادًا من التوتر، وصل إلى حد القطيعة شبه الكاملة، في أعقاب قيام السلطات المالية باحتجاز ضابط استخبارات فرنسي يتمتع بحصانة دبلوماسية في باماكو، ورد باريس بطرد عميلين ماليين وتعليق التعاون الأمني بالكامل، مما ينذر بمرحلة جديدة من العزلة للنظام العسكري في مالي.
شرارة الأزمة: اعتقال يتجاوز الأعراف
بدأت الأزمة في منتصف أغسطس عندما أقدمت أجهزة الأمن المالية على توقيف يان ڤ.، وهو ضابط في المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي (DGSE)، كان يعمل تحت غطاء منصب “مساعد ثانٍ” في السفارة الفرنسية بباماكو. وجهت له السلطات المالية تهمة التورط في “مؤامرة” مزعومة ضد المجلس العسكري الحاكم بقيادة الجنرال عاصمي غويتا.
شكل هذا الإجراء خرقًا صريحًا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تمنح الدبلوماسيين حصانة كاملة. تجاهلت باماكو هذه الحصانة، وقامت باعتقاله إلى جانب عدد من كبار الضباط الماليين، مما اعتبرته باريس تجاوزًا للخطوط الحمراء وتصعيدًا متعمدًا.
الرد الفرنسي: طرد الدبلوماسيين وتجميد التعاون
لم يتأخر الرد الفرنسي، ففي خطوة حازمة، أعلنت باريس طرد اثنين من عملاء الاستخبارات المالية كانا يعملان في سفارة مالي بفرنسا. ورغم أن وزارة الخارجية الفرنسية التزمت الصمت الرسمي، أكدت مصادر دبلوماسية أن الإجراء كان “رسالة صارمة” تهدف إلى التأكيد على أن المساس بالدبلوماسيين المعتمدين لن يتم التسامح معه.
لكن الأثر الأكبر للأزمة تجلى في قرار باريس بتعليق كافة أشكال التعاون الأمني والعسكري مع مالي. ويأتي هذا القرار ليقوض بشكل مباشر الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، في وقت يتصاعد فيه نشاط الجماعات المسلحة في شمال ووسط مالي، مما يترك القوات المالية في مواجهة التحديات الأمنية بمفردها وبدعم من شركائها الجدد.
أبعاد سياسية وقانونية
من الناحية القانونية، يثير اعتقال دبلوماسي محمي بالحصانة إشكاليات عميقة حول التزام النظام المالي بالقانون الدولي. أما سياسيًا، فتعكس الحادثة عمق الهوة بين باريس وباماكو. فالنظام العسكري المالي، الذي عزز علاقاته مع شركاء جدد كروسيا، يسعى لإثبات سيادته واستقلاليته عن النفوذ الفرنسي التاريخي، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاته الدبلوماسية والأمنية.
مستقبل مجهول للعلاقات
تقف العلاقات بين البلدين اليوم على حافة قطيعة كاملة. فبينما ترى باماكو في خطواتها تأكيدًا للسيادة الوطنية، تعتبرها باريس تقويضًا متعمدًا للاستقرار الإقليمي ومساسًا بممثليها الرسميين. وفي ظل هذا السياق الإقليمي والدولي المتوتر، تدخل العلاقة بين الشريكين السابقين في حرب الساحل نفقًا مظلمًا، مع تداعيات أمنية وسياسية قد تمتد إلى أبعد من ذلك.