
مؤسسة تكتل الحصن المتين
التاريخ: 18 أكتوبر 2025
إعداد وتحليل: المكتب الوطني
مالي على حافة الانهيار: حصار يطوق العاصمة، مئات القتلى، وشبح الجوع يهدد الملايين
- مقدمة
تعيش جمهورية مالي أخطر مرحلة في تاريخها الحديث، إذ تحولت الأزمة السياسية والأمنية إلى حالة انهيار شامل تهدد بتمدد الفوضى إلى عموم منطقة الساحل. وفي قلب هذه الفوضى، يبرز خصمان رئيسيان للمجلس العسكري الحاكم: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التي تفرض حصارًا خانقًا على مدن عدة، وجبهة تحرير أزواد التي تخوض مواجهات عسكرية مفتوحة في مناطق أزواد.
تتابع مؤسسة تكتل الحصن المتين هذه التطورات بقلق بالغ، نظرًا لما تشكله من انعكاسات مباشرة على الأمن القومي الجزائري واستقرار الحدود الجنوبية للبلاد.
- تمدد نفوذ “نصرة الإسلام والمسلمين”
تشير المعطيات الميدانية إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أصبحت تتحكم فعليًا في شريط جغرافي واسع يمتد من وسط مالي إلى حدود النيجر وبوركينا فاسو. ورغم غياب تقديرات دقيقة للمساحة، فإن تأثيرها يغطي أكثر من مليون كيلومتر مربع، ما جعلها القوة غير النظامية الأكبر في الساحل الإفريقي.
وقد استغلت الجماعة ضعف مؤسسات الدولة لبناء إدارة موازية تعتمد على فرض الإتاوات، وجباية الضرائب، والتحكم في طرق القوافل التجارية، لتتحول إلى ما يشبه “دولة ظل” تُهدد الكيان المالي.
- جبهة أزواد: عودة السلاح بعد انهيار اتفاق السلم
بعد تنصل المجلس العسكري في باماكو من اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، عادت الحركات الأزوادية إلى حمل السلاح، مُشكّلة تحالفًا واسعًا في مناطق أزواد تحت مسمى جبهة تحرير أزواد.
هذه الجبهة تضم طيفًا من المكونات العربية والطوارقية التي تطالب بترتيبات سياسية وإدارية تضمن حقوق سكان الشمال، وفق ما نص عليه اتفاق الجزائر.
ومع تفاقم الأزمة، تحولت المواجهات إلى حرب استنزاف مفتوحة بين القوات المالية وحلفائها من الفيلق الإفريقي الروسي من جهة، وتشكيلات أزوادية من جهة أخرى.
وقد دارت المعارك الأخيرة في مناطق أنوملان، تاجمرت، وألكت بولاية كيدال، تزامنًا مع غارات جوية شنّها الجيش الأزوادي على مواقع الجيش المالي والفيلق الإفريقي في كيدال، تومبكتو، ليري، غوندام، تساليت، وأجلهوك.
هذا التطور النوعي يعكس انتقال الجيش الأزوادي من الدفاع إلى الهجوم المنظم، واستعادته زمام المبادرة الميدانية في مناطق أزواد.
- جيش أزواد: التكوين والعقيدة الميدانية
يُعتبر جيش أزواد الذراع العسكري لجبهة تحرير أزواد، ويتكوّن من مقاتلين ينتمون إلى قبائل الطوارق والعرب المنتشرة في الشمال. تشكّل هذا الجيش عقب انهيار الدولة في مناطق أزواد عام 2012، وتمكّن عبر السنوات من بناء هيكلية عسكرية منظمة تضم وحدات مشاة متنقلة، كتائب استطلاع، ومدفعية خفيفة، إضافة إلى مجموعات متخصصة في حرب الصحراء.
يعتمد الجيش الأزوادي على عقيدة قتالية دفاعية متحركة تقوم على المناورة السريعة ومعرفة دقيقة بالتضاريس الصحراوية، مما يمنحه تفوقًا تكتيكيًا في المواجهات المفتوحة. ومن الناحية السياسية، يعتبر نفسه قوة محلية تطالب بتطبيق بنود اتفاق الجزائر، ويؤكد أنه لا يعادي الجوار الإقليمي، خصوصًا الجزائر التي تُعد الضامن التاريخي للسلم في المنطقة.
- الحصار الخانق ومحاولات التدخل الديني
منذ مطلع سبتمبر 2025، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو ومدن كبرى مثل كايس ونيورو، ما أدى إلى أزمة خانقة في التموين والوقود.
ارتفع سعر الوقود من 1200 إلى أكثر من 3000 فرنك إفريقي في تمبكتو.
شُلّت حركة النقل والتجارة وتوقفت الإمدادات الإنسانية.
في خضم هذا الانهيار، برز دور المجلس الأعلى الإسلامي في مالي الذي أصدر بيانًا مشتركًا مع رابطة الأئمة والعلماء يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025، حمل نداءً رسميًا لوحدة الصف، ودعا إلى القنوت في الصلوات والدعاء من أجل أمن الوطن، في محاولة لتهدئة الشارع واستعادة الثقة في الدولة.
ويُقرأ هذا التحرك، وفق تحليل مؤسسة تكتل الحصن المتين، كمبادرة دينية هدفها سحب البساط من خطاب العنف وتهيئة الأرضية لحوار وطني شامل.
- تصاعد العنف وتهديدات أمادو كوفا
أطلق زعيم كتيبة ماسينا، أمادو كوفا، سلسلة تهديدات مباشرة للمجلس العسكري في خطاب صوتي حديث، متوعدًا بـ”إسقاط العاصمة من الداخل”.
ويُقرأ هذا الخطاب كإعلان نية لشنّ حصار شامل يهدف إلى إنهاك مؤسسات الدولة وإسقاطها اقتصاديًا ومعنويًا.
- الانعكاسات على الأمن القومي الجزائري
ترى مؤسسة تكتل الحصن المتين أن استمرار التدهور الأمني في مالي يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري من خلال:
تزايد احتمالات تسلل الجماعات الإرهابية نحو العمق الجزائري.
انتعاش شبكات التهريب عبر الحدود الجنوبية في ظل غياب الرقابة المالية.
تزايد تدفق اللاجئين نحو الجنوب الجزائري، ما يخلق ضغطًا إنسانيًا وأمنيًا متصاعدًا.
- رؤية مؤسسة تكتل الحصن المتين
انطلاقًا من مبادئها الوطنية، تؤكد المؤسسة أن ما يحدث في الساحل ليس شأنًا داخليًا ماليًا فحسب، بل قضية أمن إقليمي تتطلب تحركًا إفريقيًا متوازنًا. وترى أن:
الجزائر تبقى حجر الزاوية في استقرار الساحل، بفضل موقعها الجغرافي وثقلها الدبلوماسي.
إحياء اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة هو الخيار الوحيد القادر على إنهاء النزاع ووقف دوامة العنف.
رفض أي وصاية خارجية على المنطقة يمثل ضمانة لحماية سيادتها واستقلال قرارها.
- الخلاصة
تؤكد مؤسسة تكتل الحصن المتين أن مالي لم تعد على حافة الهاوية، بل غاصت في فوضى متعددة الأوجه. إن استمرار القتال في مناطق أزواد، وتفكك الدولة، وغياب الحل السياسي، ينذر بتحول الساحل إلى بؤرة انهيار شاملة تهدد شمال إفريقيا برمّتها.
ومن هذا المنطلق، تدعو المؤسسة إلى مقاربة جزائرية إفريقية خالصة تستند إلى الحوار، التنمية، والتنسيق الأمني، باعتبارها السبيل الوحيد لتفادي كارثة إقليمية وشيكة.
رئيس تكتل حصن المتين استاذ شتوان جلول