
صعّدت فرنسا، اليوم، من تحذيراتها الأمنية تجاه مالي، بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية تحديث إرشادات السفر وجعل كامل الأراضي المالية والأزوادية مصنفة ضمن المنطقة الحمراء، أي منطقة يُمنع السفر إليها بشكل كامل نظرًا إلى ارتفاع المخاطر الأمنية فيها. القرار الجديد شمل العاصمة باماكو، التي كانت حتى وقت قريب مصنفة في المنطقة البرتقالية، لتنضم هي الأخرى إلى قائمة المناطق المحظورة.
تدهور أمني خطير يقترب من العاصمة
يأتي القرار الفرنسي في ظل تدهور أمني غير مسبوق تشهده مالي خلال الأشهر الأخيرة، مع توسع نشاط الجماعات الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة في مناطق الجنوب والغرب بعد أن كانت محصورة سابقًا في أزواد والوسط. وقد رُصد تقدم لعناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نحو ضواحي باماكو، حيث شنّت هجمات مسلحة على بوابات ونقاط تمركز للجيش المالي في مناطق مثل زنتيجيلا وكاسيلا. وتشير التقارير إلى أن الجماعة باتت تمتلك وجودًا ميدانيًا في مناطق كاي وكوليكورو وسيكاسو، وتنفذ عمليات شبه يومية ضد الأرتال العسكرية وقوافل الوقود التي تؤمن الإمدادات الحيوية للجنوب المالي.
منذ سبتمبر الماضي، فرضت الجماعة حظرًا فعليًا على دخول شاحنات البنزين القادمة من السنغال وساحل العاج وموريتانيا إلى الأراضي المالية، وقامت بإحراق عشرات الشاحنات على الطرق، مما فاقم من أزمة الطاقة داخل البلاد.
استهداف الأجانب وتصاعد المخاطر ضد الغربيين
تحذر باريس من أن المواطنين الفرنسيين والغربيين على وجه العموم أصبحوا أهدافًا محتملة للاختطاف، خاصة في ظل ما وصفته مصادر أجنبية “بتزايد التواطؤ بين بعض الأجهزة الأمنية المالية والجماعات المسلحة”. ويُعيد هذا التحذير إلى الأذهان حادثة اختطاف الجنرال الإماراتي في بلدة سنانكروبا في سبتمبر الماضي، والتي قالت تقارير محلية إنها نفذت بتنسيق بين المخابرات المالية وأعضاء في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
من الانقلابات إلى القطيعة الدبلوماسية
يأتي هذا التصعيد الأمني والدبلوماسي في سياق علاقة متوترة بين باماكو وباريس منذ الانقلاب العسكري في أغسطس 2020 الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ثم الانقلاب الثاني في مايو 2021 الذي عزز سلطة العقيد أسيمي غويتا. ومذّاك، اتخذت السلطات المالية نهجًا صداميًا مع فرنسا، متهمة إياها بـ”التدخل في الشؤون الداخلية”، فيما اتهمت باريس الحكومة الانتقالية بـ”التعاون مع مرتزقة فاغنر الروسية” وبعرقلة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
وبعد سلسلة من الاتهامات المتبادلة، أنهت فرنسا في أغسطس 2022 وجودها العسكري في مالي، معلنة سحب قوات عملية برخان التي كانت تقاتل الجماعات الجهادية في منطقة الساحل منذ 2013. وبعد الانسحاب الفرنسي، توسع نفوذ مجموعة فاغنر الروسية في البلاد، بتعاون وثيق مع المجلس العسكري الحاكم، ما زاد من برودة العلاقات بين باريس وباماكو.
حادثة الدبلوماسي الفرنسي تزيد التوتر
بلغ التوتر بين البلدين ذروته في منتصف أغسطس 2025 بعد اعتقال دبلوماسي فرنسي في باماكو، اتهمته السلطات المالية بـ”المشاركة في محاولة انقلابية” ضد النظام القائم. وقد نفت باريس بشكل قاطع هذه الاتهامات، واصفة الحادثة بأنها “عمل عدائي وغير مبرر”، لترد بطرد دبلوماسيين ماليين من باريس وتجميد التعاون الأمني والاستخباراتي مع الحكومة المالية.
باريس: الوضع في مالي خارج السيطرة
تؤكد الأوضاع المتفاقمة إن قرار تصنيف مالي بالكامل كمنطقة حمراء يعكس قناعة متزايدة لدى باريس بأن السلطة المالية الحالية فقدت السيطرة على جزء كبير من أراضي البلاد، وأن خطر الهجمات الجهادية بات يهدد العاصمة ذاتها. كما ترى باريس أن وجود فاغنر في البلاد لم يحقق أي استقرار أمني، بل أسهم في توتير العلاقات مع القوى الغربية وعزل مالي سياسيًا واقتصاديًا في الإقليم.
في خضم هذا الوضع المتفجر، يبدو أن العلاقات بين مالي وفرنسا تقف اليوم عند أدنى مستوياتها منذ عقود، وأن أي تقارب محتمل بين الطرفين لم يعد ممكنًا على المدى القريب، بينما تتجه باماكو أكثر نحو الشراكة مع موسكو في المجالين العسكري والأمني.
- بعد سقوط أكثر من 125 قتيلًا في جيبو.. روسيا تسحب بعثتها الدبلوماسية من بوركينا فاسو وسط تصاعد التهديدات الأمنية
- مع تقدم الجهاديين نحو العاصمة…فرنسا تصنف مالي بالكامل “منطقة حمراء”.
- الأمم المتحدة تطلق نداء عاجل لتضامن دولي بعد تجاوز عدد النازحين في منطقة الساحل 4 ملايين شخص
- تصاعد هجمات “نصرة الإسلام والمسلمين” في شمال بوركينا فاسو والسيطرة على نقاط عسكرية جديدة
- لوموند: التطبيع المستحيل للعلاقات الدبلوماسية بين فرنسا ومالي