
اختطاف الجنرال الإماراتي المتقاعد جمعة بن مكتوم آل مكتوم على يد الجهاديين في مالي وضع المجلس العسكري الحاكم في باماكو في موقف بالغ الحرج. فالإمارات، بوصفها مملكة نفطية ثرية، تُعد من حلفاء مالي في حربها ضد الجهاديين . والأسوأ من ذلك أنّ الحادثة أكدت حالة تفكك مؤسسات الدولة في ظل الحصار المفروض حول المدن الكبرى. فلم يُسجَّل من قبل أي هجوم مماثل في منطقة قريبة إلى هذا الحد من مركز السلطة.
تفاصيل العملية
يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2025، في منطقة سانانكوروبا (منطقة كوليكورو، دائرة كاتي، على بعد 40 كم جنوب باماكو على الطريق المؤدية إلى بوغوني)، كان جمعة بن مكتوم آل مكتوم – جنرال إماراتي متقاعد وعضو في العائلة الحاكمة بدبي – يقيم في مزرعته الفخمة.
الأمير محمد بن راشد آل مكتوم، المولود في 15 يوليو 1949 في دبي، كان نائب رئيس الوزراء ورئيس حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، وينتمي إلى عائلة آل مكتوم التي تحكم الإمارة منذ أوائل القرن التاسع عشر. قام بإصلاحات كبيرة عام 2007 تتعلق باستراتيجية الحكومة الاتحادية، وهو أيضًا رئيس مؤسسة غودلفين، إحدى أكبر مؤسسات سباقات الخيول في العالم.
منذ سنوات، دأب الجنرال على زراعة الأشجار المثمرة والأخشاب وتربية الحيوانات، خصوصًا الثدييات والطيور. وهو هاوٍ للصيد وفاعل خير في أوقات فراغه، ويملك إقامة ضخمة في كاتي تحت حماية الجيش المالي. في ذلك اليوم، كان يتحدث وسط عمّاله برفقة أحد مواطنيه (زائر حديث العهد بمالي) ومساعد إيراني الجنسية.
فجأة، ومن الواضح أنهم كانوا على علم مسبق، هاجم رجال مسلحون – عددهم غير محدد – المزرعة الواسعة، وخطفوا الثلاثة الذين كانوا محددين سلفًا. وقد قدم الخاطفون أنفسهم بأنهم من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التابعة لتنظيم القاعدة. لم يستخدموا العنف، وأجبروا الرهائن على مرافقتهم إلى داخل الغابة. وكانت تلك آخر مرة شوهد فيها الثلاثة.
حالة استنفار في باماكو
في اليوم التالي، وبشكل مفاجئ، أبلغت كتيبة من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين السلطات المالية برغبتها في التفاوض على إطلاق سراح الرهائن عبر وسطاء تثق بهم. وهما محمد مهري الملقب “روجي” وسيد أحمد الملقب “زميلو”، وهما عربيان من قبيلة لمهار ومن مواليد منطقة تيلمسي قرب الحدود الموريتانية. معروفان جيدًا لدى النخبة المالية، ويقومان بمهمات استخباراتية وتأثيرية في شمال البلاد.
يشرف عليهما الجنرال موديبو كوني، مدير الوكالة الوطنية للأمن (ANSE)، وهو رجل يحظى بثقة الرئيس عصيمي غويتا. وقد رُقّي الاثنان في 16 سبتمبر 2024 إلى نفس الرتبة العسكرية “بصفة استثنائية”، كما جاء في بيان مجلس الوزراء آنذاك.
من هما روجي وزميلو؟
إنهما عميلان استخباريان سابقان، يعملان مع الأجهزة المالية والمغربية، كما يمارسان تجارة الذهب مع دبي، ومع ذلك يعتبرهما تنظيم النصرة وسطاء موثوقين.
في عام 2022، كان روجي مدرجًا على قائمة عقوبات الأمم المتحدة تحت الرقم المرجعي MLi.007، وصدرت بحقه نشرة حمراء من الإنتربول بتهم تتعلق بتجارة المخدرات والتعاون مع تنظيم حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO). إلا أنّ العقوبات رُفعت في 30 أغسطس 2023 بعد انتهاء صلاحية القرار الأممي رقم 2374 الصادر عام 2017، فأصبح حُرًّا في التنقل.
أما زميلو، فقد أوقف وحُكم عليه بالسجن في الجزائر لمشاركته في خطف ثلاثة عاملين إنسانيين أوروبيين (إيطاليين اثنين وإسباني واحد) في 23 أكتوبر 2011 في حاسي ربوني قرب تندوف. وقد اتهم البوليساريو آنذاك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالعملية. أُطلق سراح زميلو في صيف 2012 بعد أن دفع تنظيم MUJAO فدية مقابل إطلاق سراح ستة دبلوماسيين جزائريين كانوا محتجزين في غاو.
صلات عائلية مشبوهة
يتبيّن أن الوسطاء الذين اقترحهم التنظيم يعرفون الرهائن معرفة شخصية، بل سبق أن زاروهم في دبي، ويتتبعون تحركاتهم في مالي. ووفقًا لمصدر موثوق لموقع موند افريك، فقد اجتمع روجي وزميلو قبل خمسة أيام من عملية الخطف في تيلمسي مع كلٍّ من حسين ولد حمادة وأبو حمزة الشنقيطي، وهما من أبرز الناشطين الجهاديين في منطقة غاو. ورغم أنّ الطرفين ينتميان إلى فصائل متنازعة، إلا أنّ الروابط القَبَلية والدموية تجمعهم.
إذ إن حسين ولد حمادة، القيادي في النصرة، وروجي، عميل المخابرات المالية، ابنا عمومة؛ فوالد الأول ووالدة الثاني شقيقان. ومن هنا، تنتشر الشائعات في باماكو بأنّ العملية ربما كانت مسرحية مدبرة لخداع الإماراتيين. في ظل أجواء الهلع وانقطاع الكهرباء وغياب المعلومات الموثوقة، تنتشر نظريات المؤامرة كالنار في الهشيم. كلمات مثل “الخيانة” و”صفقة مالية” أصبحت حديث الشارع السياسي.
نهاية غامضة
شعر إياد أغ غالي، زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بالاستياء لأنه لم يُبلَّغ مسبقًا بالعملية، فقرر إقصاء روجي وزميلو من التوسط، بل ورفض أي تدخل مالي في المفاوضات، مقترحًا نقلها إلى الخارج. وهكذا جُرّد حسين ولد حمادة وأبو حمزة الشنقيطي من الملف أيضًا. وإنْ كانت هناك فعلاً عملية احتيال مشتركة، فقد انهار مخططها بالكامل.
أما عائلة آل مكتوم والقصر الرئاسي في كولوبا، فهما يعيشـان مزيجًا من القلق والصمت المطبق أمام هذا المشهد الغامض والمحرج.
بقلم: هيئة تحرير موقع “مون دافريك” – 4 أكتوبر 2025