
أدى اعتقال عميل من جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي في باماكو في أغسطس/آب الماضي، بتهمة محاولة زعزعة الاستقرار في البلاد، إلى مزيد من التدهور في العلاقات الفرنسية المالية التي تشهد أزمة منذ انقلاب العقيد آسيمي غويتا عام 2020.
وقالت صحيفة لوموند في تحليل للكاتب بنيامين روجيه إن هذا الاعتقال قطع آخر قنوات الاتصال غير الرسمية بين البلدين، وهي قناة التعاون الاستخباراتي التي كانت مستمرة رغم تدهور العلاقات السياسية والدبلوماسية.
وكان المعتقل المسمى يان ڤي يعمل رسميًا دبلوماسيًا في السفارة الفرنسية بباماكو، لكنه كان مكلفًا بمهمة استخباراتية، وهو أمر مألوف في العلاقات الدولية حيث تبقى قنوات التجسس قائمة حتى بين خصوم متوترين.
أمل فرنسي خائب
وفق الصحيفة، جاء رد فرنسا هذه المرة أكثر حزمًا من ذي قبل، تفاديًا لتكرار تجربة بوركينا فاسو التي اعتقلت أربعة عملاء استخبارات فرنسيين سابقًا. فقد أقدمت باريس على طرد عميلين ماليين من أراضيها، وأعادت باقي طاقمها الاستخباراتي من باماكو قبل أن يتم طردهم رسميًا.
ورغم انهيار التعاون الأمني العلني بين البلدين بعد انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، استمر لفترة تعاون استخباراتي غير معلن، حيث استفادت مالي من القدرات التقنية الفرنسية في مجال المراقبة والتنصت، بينما حافظت باريس على نافذة لمتابعة التحركات الجهادية في منطقة الساحل المتدهورة أمنيًا.
وترى لوموند أن جذور الأزمة تعود إلى ما قبل انقلاب غويتا، عندما كانت باريس تعتبر الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا زعيمًا ضعيفًا، مما جعلها تتقبل الانقلاب العسكري عام 2020. لكن الآمال الفرنسية خابت بعد انقلاب ثانٍ في مايو/أيار 2021، رافقه تصعيد خطابي ضد فرنسا واتجاه واضح نحو روسيا، خصوصًا عبر مجموعة فاغنر.
باريس اعتبرت توجه مالي إلى موسكو تجاوزًا لخط أحمر إستراتيجي، لتتوالى الأزمات بعد ذلك: من طرد السفير الفرنسي إلى إنهاء عملية برخان وتعليق المساعدات التنموية.
لا يمكن قطع العلاقة نهائيًا
ورغم استمرار بعض مظاهر العلاقة – مثل عمل القنصلية والمدارس الفرنسية – فإن اعتقال “يان ڤي” وضباط ماليين آخرين شكل نقطة تحول حاسمة. وما زال المسؤولون الفرنسيون منقسمين حول كيفية الرد: بين من يدعو إلى التشدد، ومن يفضل تجنب التصعيد.
وتؤكد مصادر فرنسية رسمية أن “الأمور لن تعود كما كانت”، مضيفة:
“لن نستمر وكأن شيئًا لم يحدث. هذا عمل عدائي للغاية. لا يمكن استئناف أي حوار من دون إطلاق سراحه أولًا.”
وفي انتظار حل الأزمة، لجأت فرنسا إلى شركاء أفارقة وأوروبيين للوساطة، من بينهم المغرب الذي سبق أن لعب دورًا مهمًا في تحرير عملاء فرنسيين ببوركينا فاسو.
ويقول وزير مالي سابق في عهد إبراهيم كيتا:
“الأمر سيستغرق وقتًا، ولكن التواصل سيعود حتمًا بين باريس وباماكو. علاقتنا معقدة، لكننا مترابطون للغاية بسبب وجود آلاف المواطنين من ذوي الجنسية المزدوجة وجالية مالية كبيرة في فرنسا. لا يمكن قطع العلاقة نهائيًا.”
منظور فرنسي
من الجانب الفرنسي، تبقى الأوضاع الأمنية المتدهورة في مالي ومنطقة الساحل مصدر القلق الأكبر. ويقول مسؤول فرنسي:
“إذا أصبحت المنطقة أولوية أمنية دولية، سيكون على الجميع التدخل بمن فيهم نحن. صحيح أننا لن نكون في الصفوف الأولى كما في السابق، لكننا لن نبقى بعيدين تمامًا.”
المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية