
قرية زويرا – دائرة غوندام، ولاية تمبكتو | 8 يوليو 2025
في قلب صحراء أزواد، بعيدًا عن ضجيج المدن، وقعت جريمة مروعة جديدة في حق السكان المدنيين. قرية زويرا، المعروفة بكونها مركزًا للتعايش والتبادل التجاري بين مختلف المكونات العرقية من الطوارق والعرب والفلان والسونغاي، تحولت في لحظات إلى ساحة رماد ودماء، إثر قصف جوي بطائرة مسيّرة استهدف مطعماً داخل السوق الأسبوعي.
قصف لم يكن عشوائيًا.. بل ممنهجًا
بينما تواصل السلطات العسكرية في باماكو ترديد نفس الخطاب القديم عن “استهداف مخازن لوجستية تابعة لجماعات مسلحة”، جاءت الحقيقة من الميدان أكثر وضوحًا وبشاعة. فقد سقط أربعة مدنيين من عائلة واحدة، وهم امرأة ( طباخة ) وأطفالها الثلاثة، ضحية هذا القصف الغادر. والضحايا هم أبناء المواطن “آغ الجومات”، موظف بسيط يعمل كحارس في المركز الصحي الوحيد بالقرية.
إلى جانب ذلك، أُصيب أربعة آخرون بجروح بليغة، بينهم امرأة تم نقلها إلى مستشفى تمبكتو لتلقي العلاج. أما الضحية الخامسة، فهي امرأة لم يتم التعرف على هويتها بعد بسبب الحروق الشديدة.
زويرا.. غزة جديدة في الساحل؟
تشير هذه الضربة الجوية إلى تحول خطير في مسار الصراع الدائر بين أزواد و مالي ، حيث يستبدل “الحرب ضد المسلحين” بحرب ضد المواطنين البسطاء من قبل الدولة المالية المارقة. القصف تم بواسطة طائرة تركية بدون طيار تُشغّلها القوات المسلحة المالية و الفيلق الإفريقي الروسي، في عملية لا تختلف في وحشيتها عن غارات الطائرات الإسرائيلية على غزة، بل قد تتفوق عليها في التعتيم الإعلامي واللامبالاة الدولية.
حياة البدو تحت القصف: حين تتحول أدوات النجاة إلى “أدلة إدانة”
في المناطق الصحراوية بأزواد، يعتمد الرعاة والبدو على وسائل بسيطة للبقاء: الدراجات النارية، وأجهزة التواصل اللاسلكي (تلكي-ولكي) و سيارات النقل البيك آب. غير أن هذه الأدوات، التي تعتبر وسائل عيش لا غنى عنها في غياب الدولة والبنية التحتية، تحولت إلى ذرائع لقصفهم واتهامهم بالإرهاب.
فعلى سبيل المثال، في السادس من يوليو، قُصفت سيارة مدنية قرب قرية غرغندو، وأُصيبت طفلتان بجروح في بيت مجاور لمكان القصف. وقبلها بأيام، تم تدمير نقاط مياه في “إنجبار” بمنطقة تساليت، مما أدى إلى شلل كامل للحياة في هذه المناطق.

صمت رسمي وتواطؤ اجتماعي
ما يُثير الاستغراب أكثر من القصف نفسه، هو الصمت التام من النخب والقيادات المحلية المنحدرة من نفس المجتمعات المتضررة. فبدلاً من الدفاع عن حقوق المدنيين، يلوذ كثير منهم بالصمت، مفضلين البقاء في مكاتبهم المكيّفة في باماكو على مجابهة الحقيقة بل يصدر بعضهم بيانات يؤكد فيها دعمه للقوات المسلحة المالية فيما يسمونه “الحرب ضد الارهاب ” وهو حرب ضد إخوانهم من نفس العوائل من المدنيين العزل لا علاقة لهم بالإرهاب .
هذا الصمت المشين يشكل تواطؤًا غير مباشر، ويفاقم عزلة السكان في أزواد الذين يعيشون بين نيران القصف والخذلان السياسي.
نحو مستقبل أكثر ظلامًا؟
ما يحدث في زويرا اليوم، وفي غرغندو وتساليت من قبل، ليس سوى تكرار لمنهجية الحرب الشاملة ضد السكان، يُنفّذها جيش ومرتزقة، بلا مساءلة، بلا قانون، وبلا إنسانية.
إن استمرار استهداف الأسواق، والمخيمات، والطرق، وآبار المياه، يؤسس لمرحلة جديدة من التهجير القسري، والتجويع الممنهج، والتطهير العرقي البطيء. ومع غياب المحاسبة وتواطؤ المجتمع الدولي، فإن سيناريو الانفجار القادم بات أقرب من أي وقت مضى.