
تشهد مالي منذ بداية يوليو 2025 تصعيدًا غير مسبوق في الهجمات التي تشنها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، المرتبطة بتنظيم القاعدة. الهجمات التي استهدفت سبع بلدات في يوم واحد، وعلى رأسها كاي ونيرو دو الساحل، تعكس تحوّلًا خطيرًا في قدرة الجماعة على التخطيط والتنفيذ المتزامن، مستغلة تدهور الوضع الأمني وتراجع الدعم الدولي للسلطات الانتقالية المالية.
حصار كاي ونيورو: تحول استراتيجي نحو استهداف المدنيين
في تسجيل صوتي باللغة البامبارية، أعلن محمود باري، قاضي الجماعة، فرض حصار على مدينتي كاي ونيورو، مهددًا باستهداف المدنيين الذين قدموا دعمًا مباشرًا للقوات المسلحة المالية خلال هجمات الثلاثاء 1 يوليو. يأتي هذا التحوّل في الخطاب الجهادي بمثابة إعلان صريح عن استهداف المدنيين، ما يُنذر بجرائم حرب محتملة، وتدهور خطير في الوضع الإنساني.
تُعد نيورو المنفذ التجاري الرئيسي بين مالي وموريتانيا عبر بوابة غوغي، ما يجعل من إغلاقها تهديدًا مباشرًا للاقتصاد المالي، في حين تُصنّف كاي كالعاصمة الاقتصادية للبلاد، وتقع في غرب مالي. وقد كانت كلا المدينتين ضمن المناطق التي استهدفتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين خلال هجماتها المنسقة يوم الثلاثاء، 1 يوليو 2025.
وخلال الهجمات، قُتل عدد من عناصر الجماعة، فيما أُسر آخرون على يد القوات المسلحة المالية. اللافت أن المدنيين لعبوا دورًا بارزًا إلى جانب الجيش، حيث أبدوا دعمًا واسعًا له، وتدخلوا بشكل مباشر في التعامل مع الأسرى، إذ شوهدوا وهم يضربونهم ويسوقونهم علنًا في مشهد يعكس الدعم الشعبي للجيش، رغم أن هذه المهام تُعد من اختصاص الأجهزة الأمنية.
وقد علّقت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على هذا المشهد، معتبرة أن انخراط المدنيين بهذا الشكل “جعلهم هدفًا مشروعًا”، في تبرير واضح لقرارها المعلن باستهداف المدنيين في كاي ونيورو وفرض الحصار عليهما.
إغلاق مدينة نيورو، التي تُعد المنفذ الرئيسي بين مالي وموريتانيا، يعني قطع شريان اقتصادي حيوي، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية محققة في غرب مالي، ويهدد الأمن الغذائي والتجاري في المنطقة. أما كاي، العاصمة الاقتصادية لمالي، فقد تعرضت لهجمات عنيفة خلفت أضرارًا جسيمة في البنية التحتية، إضافة إلى اختطاف أربعة أجانب، ما يضيف بعدًا دوليًا للأزمة.
اتهامات متكررة وتكتم رسمي
رغم نجاحات الجيش في بعض الجبهات، إلا أن الشفافية ظلت محدودة. فلم تُعلن الحكومة حتى الآن عن أرقام دقيقة لضحايا الجيش أو المدنيين إلا انها اعلنت عن تحييد 80 جهادياً. كما لم تقدم أدلة واضحة على اتهامها الغامض لـ”رعاة دوليين” يقفون وراء الهجمات، في تكرار لخطاب سياسي مألوف من قبل السلطات الانتقالية.
خطر إقليمي يتطلب استجابة عابرة للحدود
يرى باكاري سامب، الباحث في شؤون الجماعات الجهادية ومدير معهد تومبوكتو للأبحاث، أن هذه الهجمات تؤكد اتساع نطاق عمليات الجماعة الجهادية، مستغلة انسحاب بعثة الأمم المتحدة والجيش الفرنسي، وانعزال مالي عن المنظمات الإقليمية مثل مجموعة دول الساحل. ودعا سامب إلى تنسيق ثلاثي بين مالي، السنغال، وموريتانيا، لمواجهة الخطر المشترك الذي يهدد الأمن القومي للمنطقة بأسرها.