
أزواد – 24 يوليو 2025
يبدو أن النزاع القائم منذ أكثر من ستين عامًا بين الدولة المركزية في مالي وإقليم أزواد يدخل مرحلة حرجة. فقد تكون الأشهر المقبلة نقطة تحول حاسمة في هذه الأزمة المستمرة التي تُهدد استقرار منطقة الساحل الوسطى منذ السنوات الأولى للاستقلال.
تظل مطالب أزواد، التي تعود إلى ما قبل إنشاء دولة مالي الحديثة، واحدةً من العقد الأساسية التي يجب حلّها لتحقيق سلام دائم في المنطقة. غير أن التطورات الحالية على الأرض تشير إلى توجه مقلق نحو تعميم النزاع وظهور بؤر توتر جديدة كانت لوقت طويل تحت السيطرة.
في دول تحالف دول الساحل (AES)، تُستغل محاربة الإرهاب كثيرًا كذريعة لشن عمليات تستهدف بعض المجتمعات بشكل عابر للحدود. هذا الانحراف يكشف ليس فقط عن أجندات خفية، بل أيضًا عن تحول بعض الجيوش الوطنية نحو سلوكيات تشبه سلوك الميليشيات المجتمعية. وهو انحراف يعكس رؤية ضيقة لمفهوم الأمة، حيث تصبح مسألة الأمن ذريعةً لتجريم مجموعات بأكملها، فتتحول من كونها محمية من الدولة إلى ضحايا لانتهاكات متكررة.
وعلى أرض الواقع، تبدو الأولويات الأمنية موجهة ليس نحو تحييد التهديدات الحقيقية، بل ضد السكان الذين يُنظر إليهم باعتبارهم معادين أو مجرد مهمشين من قِبل الأنظمة التي جاءت بعد الاستقلال. أما انخراط بوركينا فاسو والنيجر المتزايد في النزاع المالي، خاصة فيما يتعلق بقضية أزواد، فينذر بخطر اندلاع حريق إقليمي لا يمكن السيطرة عليه.
هذه المحاولة لتوسيع رقعة النزاع في إطار التحالف العسكري لـ AES قد تتجاوز بسرعة حدود الدول المعنية، وتؤجج توترات عرقية قائمة أصلاً. ولم يعد توظيف المعلومات، الذي غالبًا ما يروّج له فاعلون خارجيون بعيدون عن الواقع الساحلي، قادرًا على إخفاء حقيقة الأزمة العميقة. فالخطابات الحربية والهوياتية والإقصائية لم تقدم حتى الآن أي حلول للتحديات البنيوية التي تواجه هذه الدول.
وبعد أن زاد عزل بعض أنظمة AES، تحاول هذه الأنظمة اليوم تعميم خطابها العدواني ليشمل جميع المجتمعات «البدوية»، في هروب خطير إلى الأمام. هذا الخطاب الذي ينقله بعض الأيديولوجيين وتردده تيارات متطرفة من «القومية الإفريقية الزائفة»، يغذي وطنية منغلقة قائمة على الإقصاء، بعيدًا كل البعد عن مشروع وحدة ساحلية حقيقية.
إن الهوس بقضية أزواد والقمع الوحشي لبعض المجتمعات يعكسان قراءة مشوهة وخطيرة للواقع الجيوسياسي في المنطقة. أما اللجوء المتزايد إلى ميليشيات مجتمعية أو مرتزقة أجانب تحت ذريعة مكافحة انعدام الأمن فلا يؤدي إلا إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية، بينما يُفترض بالدولة أن تمثل الوحدة والعدالة والتماسك.
نحن على مشارف منعطف حاسم. يجب على المجتمع الدولي أن يُدرك ذلك ويستعد له من خلال إعادة الانخراط بشكل مسؤول، خاصةً بالعودة إلى روح اتفاق الجزائر. فمنذ التسعينيات، لم تتمكن القوات المسلحة المالية قط من السيطرة بشكل دائم على منطقة أزواد من دون دعم خارجي. وحتى اليوم، لا تزال عملياتها هناك تعتمد على دعم قوات شريكة أصبحت بحكم الواقع أطرافًا مشاركة في النزاع.
ورغم أن الجميع بات يدرك انسداد الأفق العسكري، إلا أن شركاء مالي يجدون صعوبة في الدفع نحو حل سياسي حقيقي. بات من العاجل أن تعتمد المؤسسات الدولية والقوى المنخرطة في المنطقة، بما في ذلك روسيا وتركيا، قراءة واقعية للأزمة وأن تدعم مخرجًا حقيقيًا يقوم على العدالة والشمول والتمثيل.
إن جذور المشكلة لا تكمن في أيديولوجيات مستوردة، بل في الرفض المستمر من قبل الدول ما بعد الاستعمار لبناء أوطان جامعة بالفعل. وطالما استمرت هذه الأنظمة في الحفاظ على اختلالات ورثتها عن النظام الاستعماري، فإن أي حل دائم سيبقى وهميًا.
وفي هذا السياق، فإن بوركينا فاسو والنيجر معرضتان، كل بطريقته، لإحياء التوترات بين المجتمعات إذا واصلتا دعمهما غير المشروط للاستراتيجية العسكرية للسلطة العسكرية في مالي ضد أزواد. إن توظيف الانقسامات العرقية لأغراض البقاء السياسي لا يزيد الأزمة إلا تعقيدًا. وفي بعض مناطق AES، بدأت بالفعل تظهر ديناميات للتطهير العرقي، مما يطرح سؤالًا جوهريًا حول طبيعة هذه الدول وقدرتها على ضمان السلم والتعايش.
وبناءً على هذا الواقع، لم يعد بإمكان المجتمع الدولي أن يظل سلبيًا أو متساهلًا. يجب أن يعمل على بناء ميثاق جديد للحكم يقوم على حرية الشعوب ومشاركة سياسية حقيقية. فاستقرار منطقة الساحل ومصداقية الشركاء الخارجيين يعتمدان على ذلك.
أما أوروبا على وجه الخصوص، فعليها أن تقطع مع سياسات التعاون القديمة التي غالبًا ما همّشت المجتمعات الرعوية. لا يمكنها أن تواصل دعم مقاربات تمييزية تتجاهل التعقيد الإنساني في منطقة الساحل، هذه المنطقة التي صاغتها فسيفساء شعوب بهويات غنية وتاريخ عميق. هذا التباين بين السياسة الأوروبية والواقع يُفسر إلى حد كبير الإخفاقات المتكررة وتآكل المكاسب التي تحققت بعد الاستقلال.
إن الوضع الراهن لم يعد ممكنًا استمراره. وحده مشروع سياسي مشترك، عادل ومنصف، تحمله جميع مكونات المجتمعات الساحلية، قادر على توفير مخرج دائم. وبهذا الشرط فقط يمكن للتنمية والسلام أن يترسخا أخيرًا
عبد الله الطيوب، رئيس الجالية الطارقية في أوروبا (ODTE)