
تشهد مناطق وسط مالي، لاسيما موبتي وسان وسيغو، حالة من التنافس المحموم بين المجلس العسكري الحاكم في باماكو وتنظيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وذلك على خلفية مساعٍ متسارعة من الطرفين لنزع سلاح الميليشيات المحلية، خصوصًا ميليشيات “الدونصو” التقليدية، ودمجها ضمن مشاريع إعادة تأهيل وتسريح المقاتلين.
ففي الأيام الأخيرة، كثّف تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” جهوده لتطبيق مشروع نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) الخاص به، حيث تمكّن من إقناع أكثر من 20 قرية بالتوقيع على اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة ووقف العمليات المسلحة، مقابل ضمانات بالحماية والاحتفاظ بنوع من الاستقلال المحلي في مواجهة تدخلات الجيش.
وفي يوم الجمعة 30 مايو 2025، نشرت الجماعة صور لعدد من القرى في دائرة جيني (Djenné) وهي تسلّم أسلحتها لعناصر الجماعة الجهادية، في مؤشر واضح على تنامي نفوذها المجتمعي والعسكري.


من جهة أخرى، يعمل الجيش المالي بقيادة المجلس العسكري على تنفيذ خطة موازية لنزع سلاح الميليشيات المحلية، تمهيدًا لدمج مقاتليها ضمن صفوف القوات المسلحة النظامية. غير أن هذا التوجه يصطدم بتعقيدات ميدانية وسياسية، أبرزها تردّد العديد من القرى والمليشيات في الوثوق بالدولة المركزية، خاصة في ظل سجلها الأمني المتراجع واتهامات بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
ويرى مراقبون أن المليشيات المحلية تجد في الاتفاق مع جماعة النصرة خيارًا أقل كلفة وأكثر واقعية، نظرًا لوجود الجماعة فعليًا على الأرض وسيطرتها على مناطق واسعة، فضلًا عن قدرة التنظيم على فرض نظام أمن محلي – وإن كان مسلحًا – أكثر فاعلية من القوات الرسمية. كما أن كثيرًا من هذه المليشيات تخشى أن يكون التعاون مع الدولة سببًا في تعرّضها لعمليات انتقامية دموية من قبل الجهاديين، الذين أثبتوا قدرتهم على شن هجمات قاسية ضد من يعتبرونهم متحالفين مع باماكو.
هذا المشهد يعكس فشل الدولة المالية في بسط سيادتها على مناطق وسط البلاد، ويفتح الباب أمام جماعة النصرة لترسيخ شكل من “الحكم الموازي” عبر برامج DDR الخاص بها، تستبدل الدولة وتنتزع منها دورها، في خطوة قد تكون حاسمة في تغيير موازين القوى بين الجهاديين والنظام العسكري الحاكم.
وفي ظل هذا التنافس، تبقى المليشيات المحلية في موقف معقّد، تتجاذبها الضغوط بين طرفين مسلحين، كل منهما يسعى لفرض سلطته عليها، في وقت تتدهور فيه الثقة بالدولة وتتوسع فيه رقعة النزاع المسلح في منطقة الساحل.