
على ساحل نهر النيجر بمنطقة موبتي وسط مالي، تعيش قريتا جافارابي ونوه بوزو مأساة حقيقة لا تحظى بكثير من الضوء، لكنها تختزل بمرارة حجم الانهيار الأمني والإنساني الذي يضرب البلاد. فمنذ يوم الإثنين، 26 مايو 2025، فرضت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التابعة لتنظيم القاعدة، حصارًا خانقًا على ديابارابي، عقابًا لأهلها على ما تقول الجماعة إنه تورط الجيش المالي في إعدام جماعي لعشرات المدنيين العزل داخل سوق القرية، في الثاني عشر من مايو الجاري.
السكان محاصرون بالكامل: لا مركبات تدخل، ولا مؤن تصل، ولا أحد يستطيع المغادرة. يقول أحد سكان ديابارابي، متحدثًا لإذاعة RFI بشرط إخفاء هويته:
> “المشكلة التي نعيشها الآن هي الحصار الإرهابي. لم يتبقَ شيء من الطعام، لا زيت ولا مواد غذائية. حتى الأدوية نفدت من الصيدلية. نحن محاصرون تمامًا. أنا شخصيًا جائع الآن، بحثت طويلاً عن شيء أطعمه لعائلتي، ولم أجد. الجيش يعلم كل شيء، بل هو موجود هنا، لكنه لم يساعدنا بشيء.”
ويتابع آخر من نفس القرية:
> “منذ اللحظة التي فرض فيها الحصار، كانت الأسواق شبه خالية. الناس اندفعوا لشراء ما تبقى، ثم انتهى كل شيء. قبل يومين، خرج أربعة أشخاص في محاولة للبحث عن الطعام، لكن المسلحين الجهاديين اعترضوهم في الطريق، ولا يزالون محتجزين حتى اللحظة.”
في مشهد يكشف عن بؤس الواقع، يروي أحد الآباء:
> “ليس لدينا ما نأكله، أعطيت أولادي القليل من القمح، هذا كل ما أملك. حتى أخي لم يأكل شيئًا اليوم، فاقتسمت معه ما لدي. نحن نعيش على ما يشبه الرمق الأخير.”
لكن المأساة لا تقتصر على جافارابي وحدها، بل تطال أيضًا قرية نوه بوزو المجاورة، حيث يتهم الجهاديون أهلها بدعم الجيش المالي، وهو ما دفعهم لتشديد الحصار على القرية وفرض شروط قاسية للسلام.
يقول أحد سكان نوه بوزو:
> “ليلًا ونهارًا، لا نسمع سوى طلقات الرصاص من حولنا. المسلحون يطالبوننا بتسليم السلاح الموجود في القرية وتوقيع اتفاق سلام معهم. لكننا رفضنا، وها نحن ندفع الثمن. الجوع يفتك بنا. في اليومين الماضيين فقط، توفي خمسة أشخاص بسبب الجوع، لأنهم لم يتمكنوا من مغادرة القرية.”
ويختم هذا الشاهد بكلمات تنضح بالألم والخذلان:
> “يحدثوننا عن الطائرات، عن الرادارات، عن الدرون، لكننا لم نر شيئًا. فلتقل لنا الدولة إن كانت هذه الوسائل لحمايتها فقط، لا لحمايتنا. نريد فقط الطعام والدواء. لدينا جرحى ومرضى لا يستطيعون المغادرة. كل يوم يموت أحدهم. حتى اليوم، 30 مايو، سجلنا حالات وفاة جديدة. نوه بوزو تموت، لا لذنب ارتكبته، سوى أنها رفضت خيانة مالي. فلتعلم السلطات أن هذه القرية تموت من أجل الوطن.”
هذه الشهادات، بما تحمله من وجع إنساني، ليست مجرد أخبار عابرة. بل هي جرس إنذار صارخ لما آل إليه الوضع في وسط مالي، حيث تختلط دماء المدنيين بصمت المسؤولين، وتتحول القرى إلى جزر معزولة تموت ببطء، بينما العالم يشيح بوجهه.
عنوان يذكر : حصار الجهاديين للقرى تخلي الدولة ويختم هذا الشاهد بكلمات تنضح بالألم والخذلان:
> “يحدثوننا عن الطائرات، عن الرادارات، عن المسيرات، لكننا لم نر شيئًا. فلتقل لنا الدولة إن كانت هذه الوسائل لحمايتها فقط، لا لحمايتنا. نريد فقط الطعام والدواء. لدينا جرحى ومرضى لا يستطيعون المغادرة. كل يوم يموت أحدهم. حتى اليوم، 30 مايو، سجلنا حالات وفاة جديدة.
يُذكر أن الجيش المالي قام في 12 مايو الجاري من اعتقال نحو أربعين مدنياً في جافرابي وقتل منهم نحو ثلاثين فلانيا وأطلق سراح الآخرين ما أثار غضب الجماعات الجهادية ذات الاغلبية الفلانية و أعلنوا الحصار على المدينة ردا على انتهاكات الجيش المالي ومرتزقة فاغنر ضد المدنيين.