
في تطور ميداني خطير ، كشفت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) – فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل – عن حصيلة عملياتها العسكرية لشهر مايو 2025 (ذو القعدة 1446 هـ)، والتي تجاوزت كل التوقعات من حيث عدد القتلى، حجم الغنائم، وامتداد رقعة السيطرة. وجاء الإعلان عبر مؤسسة “الزلاقة” الذراع الإعلامية للجماعة، ليُسلّط الضوء على تحول استراتيجي في موازين القوة بين الجماعة والقوات الحكومية في كل من مالي، بوركينا فاسو، والنيجر.
الحصيلة الرقمية: أرقام صادمة
وفقًا للبيان الشهري، بلغ عدد القتلى في صفوف جيوش الساحل 828 قتيلًا، إلى جانب أكثر من 54 آلية مدمّرة، و32 غارة عسكرية، و7 كمائن، ناهيك عن 25 عملية تفجير بعبوات ناسفة. أما الغنائم فشملت:
- 168 دراجة نارية
- أكثر من 29 آلية عسكرية
- أكثر من 872 قطعة سلاح، و 47 قذيفة RPG
- بالإضافة إلى أسر جنديين، وتحرير أكثر من 400 معتقل في إحدى الهجمات.
بوركينا فاسو: المعقل الجديد للجهاد
تصاعد العنف في بوركينا فاسو بلغ مستويات كارثية في مايو، حيث تحولت البلاد إلى ساحة مفتوحة لهجمات يومية شديدة التنسيق من قبل الجماعة. في يوم 11 مايو وحده، شنت الجماعة تسع هجمات متزامنة خلّفت مئات القتلى، أبرزها في جيبو (200 قتيل) وسولي (70 قتيلًا). كما استولت الجماعة مرتين على مدينة جبغا في أقل من أسبوع، معلنة قتل 160 جنديًا في الهجوم الأول وتحرير مئات المعتقلين من السجون.
مالي: هجمات تقترب من العاصمة
في مالي، برزت هجمات نوعية بالعبوات الناسفة ضد قوافل الجيش ومرتزقة فاغنر الروس، لكن اللافت أكثر هو العمليات الهجومية المباشرة في قلب البلاد، ومنها:
- 20 مايو: السيطرة على موقع عسكري في بلدة ديوبا القريبة من العاصمة باماكو.
- هجمات متزامنة على بوابات عسكرية في ضواحي جابلي (ولاية سيغو) وزانتيجلا الواقعة على بعد 30 كلم فقط من باماكو.
- 18 مايو: السيطرة على معسكر سنداري وقتل 10 جنود.
- 23 مايو: السيطرة على بلدة جورا (ولاية موبتي)، ومقتل 40 عنصرًا من الجيش المالي، مع الاستيلاء على ترسانة عسكرية ضخمة وتدمير 21 آلية عسكرية بينها مدرعات.
النيجر: تصعيد يقترب من العمق
شهدت النيجر تصعيدًا هو الأشد منذ أشهر من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث:
- سقطت ثكنة بوني في منطقة تورودي بيد الجماعة في 15 مايو بعد معركة عنيفة مع قوات النخبة.
- في 26 مايو، استهدفت الجماعة دورية نهرية على نهر النيجر في منطقة فالماي (إقليم دوسو)، ما أسفر عن مقتل 44 جنديًا من أصل 71 كانوا على متن الزورق، بينهم قائد الوحدة.
- كما سُجلت عمليات نوعية بالعبوات الناسفة، أبرزها بين جورجاجي وتورودي، وأسفرت عن مقتل 5 جنود نيجريين في ولاية دوسو.
إقرأ أيضا : النيجر : من سقوط المعسكرات إلى تحصين السفارات… تصاعد الهجمات الجهادية وواشنطن تدق ناقوس الخطر
التداعيات الاستراتيجية: انقلاب في ميزان القوى
1. تحول الجماعة إلى جيش منظّم
تُظهر العمليات الأخيرة أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لم تعد مجرد جماعة تخوض حرب عصابات، بل باتت جيشًا متماسكًا يشن هجمات منسقة على أكثر من جبهة، ويُسيطر على قواعد ومواقع حساسة، ويُصادر معدات ثقيلة. طبيعة الأهداف، تنسيق الهجمات، وتزامنها، يعكس تخطيطًا عملياتيًا احترافيًا.
2. فشل استراتيجيات الردع الحكومية
رغم العمليات المشتركة، والطائرات المسيرة، ودعم روسيا (عبر فاغنر) وفرنسا (سابقًا)، فشلت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر في صدّ تمدد الجماعة، ما يضع النهج الأمني والعسكري الحالي على المحك، خصوصًا بعد الانقلابات العسكرية التي رفعت شعارات “استعادة السيادة” و”محاربة الإرهاب”.
3. تهديد العواصم الكبرى
الهجمات قرب العاصمة باماكو ليست فقط رمزية، بل تمثل تحذيرًا وجوديًا للنظام في مالي. وإذا ما استمر هذا الزحف، فقد تشهد المنطقة للمرة الأولى في تاريخها تهديدًا مباشرًا للعواصم من قبل جماعة جهادية تسيطر على أراضٍ.
4. اهتزاز ثقة الجنود والضباط
المجازر المتكررة، سقوط المعسكرات، وانعدام التنسيق بين الجيوش، كلها عوامل تُضعف معنويات القوات المسلحة، وتدفع بالجنود للهروب أو الاستسلام. وقد يُفسر ذلك نجاح الجماعة في تحرير مئات السجناء دون مقاومة تذكر، وحتى أسر جنود أحياء.
5. توسع نفوذ الجماعة في المجتمع المحلي
بعض سكان المناطق المهمّشة التي تهاجمها الجماعة بدأوا ينظرون إليها كمصدر “انتقام” من الدولة، أو كمصدر “بديل” يوفر الأمن والخدمات، خاصة في ظل القمع، الاعتقالات التعسفية، والتمييز العرقي الذي تمارسه بعض القوات الحكومية ضد الطوارق والفولان والعرب.
في الختام: تحالف دول الساحل أمام خطر وجودي
تصاعد قوة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بهذا الشكل لا يعني فقط تطورًا في قدراتها العسكرية، بل يؤسس لمعادلة جديدة في الساحل تقوم على فكرة “السيطرة الميدانية المتدحرجة”. وإذا لم تعِ حكومات المنطقة وشركاؤها الدوليون خطورة هذا المنعطف، فإن مستقبل المنطقة برمّته، من باماكو إلى واغادوغو و صولا الى نيامي ، قد يكون على حافة الانهيار.
إقرأ أيضا :
جاباغا : مقتل 160 جنديًا وتحرير 478 معتقلًا في هجوم دموي للنصرة شرق بوركينا فاسو
كاي : مقتل 10 جنود واستيلاء على 5 مركبات في هجوم بسنداري استخدمت فيه النصرة طائرات مسيّرة انتحارية.
النيجر: سقوط معسكري بوني و موسيباغا تحت سيطرة النصرة