
في ظل صمت دولي مريب، تستمر الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في إقليم أزواد ، حيث تنفذ القوات المسلحة المالية، بدعم من مرتزقة فاغنر الروسية، سلسلة من الغارات الجوية والعمليات الميدانية التي تخلف دماراً واسعاً وخسائر بشرية فادحة. هذه الأحداث ليست مجرد انتهاكات عابرة، بل تشكل جرائم حرب تُرتكب بشكل منهجي ومنظم، دون أي محاسبة أو تدخل جدي من المجتمع الدولي تهدف لتغيير الديموغرافية في المنطقة.
الغارات الجوية الأخيرة: استهداف المدنيين
مساء اليوم الأحد، الموافق 16 رمضان 1446 (16 مارس 2025)، نفذ الجيش المالي ومرتزقة فاغنر غارات جوية على سوق أسبوعي في منطقة أجدر بولاية تمبكتو. أسفرت هذه الغارات عن تدمير ثلاث سيارات مدنية ومقتل أزيد من عشرة مدنيين ، بالإضافة إلى إصابة عدد آخر بجروح متفاوتة الخطورة. هذه الغارة ليست معزولة، بل تأتي في إطار سلسلة من الهجمات التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر.
قبل أيام فقط، وتحديداً يوم الجمعة 13 مارس 2025، تم تنفيذ غارة جوية أخرى باستخدام طائرة مسيرة تركية تابعة لمليشيا فاغنر والجيش المالي في توديني ، حيث تم تدمير شاحنتين محملتين بالملح تخصان التاجر المعروف محمد لمين الأرواني. أدى الهجوم إلى تدمير الشاحنتين بالكامل، مما تسبب في خسائر مادية كبيرة وتأثير سلبي على الاقتصاد المحلي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة.
جرائم ممنهجة: إعدامات واعتقالات تعسفية
ما يحدث في أزواد لا يقتصر على الغارات الجوية، بل يشمل أيضاً عمليات ميدانية تصاحبها إعدامات موجزة خارج نطاق القانون، واعتقالات تعسفية، وإحراق وسرقة الممتلكات الخاصة بالسكان. هذه الانتهاكات تُرتكب بشكل ممنهج من قبل القوات المالية ومرتزقة فاغنر، الذين يعتبرون المدنيين الطوارق والعرب والفلان هدفاً مشروعاً، دون أي تمييز بين المدنيين والمقاتلين.
منذ أغسطس 2023، قُتل ما لا يقل عن 2000 مدني، وتم اعتقال المئات دون محاكمة عادلة. هذه الأرقام المروعة تُظهر حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها المنطقة، والتي يتم تجاهلها بشكل كبير من قبل المجتمع الدولي، رغم توثيق العديد من هذه الجرائم من قبل الجمعيات المحلية ووسائل الإعلام المحلية و الدولية.
صمت دولي مريب
ما يزيد من مأساوية الوضع هو الصمت الدولي المريب تجاه هذه الجرائم. رغم توفر الأدلة والوثائق التي تثبت ارتكاب جرائم حرب، إلا أن المجتمع الدولي لم يتخذ أي إجراءات جدية لوقف هذه الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عنها. هذا الصمت يشجع القوات المالية ومرتزقة فاغنر على الاستمرار في سياسة القمع والعنف، مما يزيد من معاناة السكان المدنيين.
خلفية الأزمة: إنهاء اتفاق الجزائر وطرد القوات الأممية
تأتي هذه العمليات في أعقاب إنهاء المجلس العسكري في مالي لاتفاق الجزائر الذي تم توقيعه مع الحركات الأزوادية في عام 2015، والذي كان يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ويعترف بوحدة التراب المالي و علمانيتها. بالإضافة إلى ذلك، قامت مالي بطرد القوات الأممية التي كانت تقوم بتحقيقات في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، مما أتاح المجال لتصعيد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
الخلاصة: ضرورة التدخل الدولي
ما يحدث في مالي هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ويشكل جرائم حرب تستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً. يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، تحمل مسؤولياتهم واتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وحماية المدنيين الذين يعيشون في خوف دائم من القتل والاعتقال التعسفي.الصمت الدولي ليس خياراً، فكل يوم يمر دون تدخل يعني المزيد من الأرواح التي تُزهق، والمزيد من المعاناة التي تُلحق بالسكان الأبرياء. حان الوقت لوقف هذه الجرائم وإنهاء الإفلات من العقاب الذي يتمتع به الجناة.