
سيأتى يوم وتتحد الأمة العربية ولن تبقو فى الصراع وحدكم
لكل إنسان الحق في أن يختار أُسس حياته و مناهج نضالٍ تجعله يعيش بسلام داخلي و إن كان الواقع يطارده يومياً ليزج به في سجون الاستعمار و مدائن الإحتقار ، حيث وُجوه النفاق و آدمية مجردة من الكرامة و المبادئ تخالها خشبٌ مسنّدة و بيادق شطرنج لم تُعرب يوماً كــ “فاعلٍ” شريف عاش في الصحاري و جبال المبادئ ،ولا “جمع مذكرٍ سالم ” سلِمت يداه من دماء الأبرياء و حقوق البشر .. لاكنها خيم “المفعول به” عليها و رضت بالذل و الانكسار .
هناك و في تلك الصحاري الأزوادية القاحلة نبت عشبُ النضال العربي و وُرود الإنسانية و شبّت مزارع البارود في جوانب الثورة لتقطفها بندقية ثائرٍ عربيٍّ أزوادي مـُدافعاً بها عنهُ و عن حُلمٍ وليد القرون الوسطى و شبّ في القرون المعاصرة ليأخذ بعضاً من خمود الكهول في العصر الحديث و تفاعل قاتل في طبيعته من مجاورةٍ قد كان منطق البراءة و هوس المحبة يزعمُ يوماً أنها بصمت “بالعشرة” على دعم قضية المصير و الإنفصال و لربما هي أيضاً لجأت إلى “المفعولِ به” نسبياً .. لاكن مهما كان و مهما يكون يبقى هناك دائماً شئٌ ينادي من الأعماق و بصوت مبحوح قائلاً “حرّرُوني” و فُكو قيودي اللعينة .!! ليتبن لناَ أنه حُـلم الإستقلال ، ذلك الحلم الوليد الذي لازال على قيد النضال ، على قيد الثورة و الإيمان …
من تقسيم غير عادل للحدود لا يراعي الخصائص الإنثربولوجية و التركيبة السكانية للإقليم الأزوادي ومن تشتت ما يسمى بالسودان الفرنسي و إنسحاب السنغال منه سنة 1961م ، وتحديداً سنة 1958م تبدأ مسيرة النضال الأزوادي و مطالبة الإنفصال عن الدولة المالية التي همشت سكان هذا الإقليم ردحاً من الزمن و أرتكبت فيه و في حق الإنسانية مجازر لامتناهية ،ستون عاماً والشعب الأزوادي يعيش في دوامة المماطلة و إستمرارية المعانات …
ستون عاماً و عرب أزواد في صراع مع الحروب و ضمان الوجود على أرض ارتوت من دماء الأجداد و أحتوت جثث أبطالٍ و قادة رحلو و بقت أسماءهم خالدة في تاريخ النضال العربي ، لتتجسد المقولة الخالدة : “يمكنك قتل الثائر لاكن لا يمكنك قتل الثورة ” …
ثورةً فيها يجد الطفل الأزوادي البنادق أقرب و أوفر بكثير من الأقلام و كأن الحياة أصبحت بالنسبة له سيارة من نوع “لاندكريزر” و بندقية بجواره و كومة رصاص ، حيث الأمية تُنشب أظافرها و الجهل يسود في الحل و الترحال ..، لا فرصة للتعليم في تلك الصحراء مما جعلها موطناً للتفرقة و السرقة و النهب ، فهو شعبٌ كل حياته بين حرب و لجوء و كَر و فر …
شعبٌ لا أنيس له في تلك الصحاري سوى صوت الإبل و أصوات محركات “لاندكريزر” أو بنادق يُداعبونها من حين لآخر .. يَرَوْن فيها وُجوه الشهداء و حُلم الإستقلال ..
أو ربما كل ما كان المناضل وحيداً في هدوء الصحراء وفِي صدره ضجيج إقليمٍ بأكمله ، ينساب منه أنينٌ و أناشيدٌ لــ “گيفان” قديمة عَلى إيقاع طلقات نارية مهما كان مصدرها ، فتراه يقول :
والله حگّ المعبود … ما تسمع عربية
بَنّي ماشي مطرود … فَيْدي بندوقية
يا شباب أزواد … يا أَبْنَاء القومية
گومُ حرو لبلاد … من كل الرجعية
و من الرموز العربية الخالدة و الشهداء الذين سطر التاريخ أسماءهم من ذهب : الشهيد القائد :مولاي سليمان و الشهيد القائد : يحي ديلول والشهيد البطل إيدومو و الشهيد القائد و الفارس المغوار العقيد حم ولد محمد يحي والبطل الشهيد شامة ….. و تكثر الأسماء و تطول في لائحة العز و الكرامة و العروبة و الكبرياء .
و القليل من هؤلاء الشهداء من لم يدخل اسمه تاريخ الأدب الحساني و الموسيقى الثورية مثل “گيفان” شائعة قيلت في رثاء القائد مولاي سليمان :
“يَالعاهدْ ياسْليمان … يَدَنْ أعدوك تموت”
تموت تموت تموت … يدن أعدوك تموت
يا لبطالْ الشجعان … ما خالك ماه الموت
عاگب موت أسليمان … ما نبقو كون الموت
يالِّ عندك لَيْمان … ولل تبقي لخوت
خلد ذكر أسليمان … فالحياة و فالموت
شُهَدَاءٌ ينفردُ كل واحدً منهم بحياة مليئة بالنضال و الرغبة في تحطيم قيود الإستعمار و مغازلة الموت بين الفينة و الأخرى و كأن حالهم يردد مقولة الثائر جيفارا ” مهما كان الموتُ مفاجئاً لنا فمرحباً به إذا ما كانت ستصل صيحتنا إلى أذن تتلقى و يدا تمتد لتناول السلاح .” …شُهَدَاء ضحو بأنفسهم و بذلو الغالي و النفيس في سبيل النضال عن الشعب العربي الأزوادي و دفاعاً عن الأرض و الإنسان ، تحت راية الجبهة العربية الإسلامية الأزوادية ، أو الحركة العربية الأزوادية ( le mouvement arabe de l’azawad ) M.A.A .
من مخيمات اللجوء و تحت شمس الآمال و فوق رمال الصحراء يأخذ الحنين الشباب العربي إلى أرضه و إلى ثوار رحلو لاكنهم ما فارقو ذكراه يوماً .. فيبدأ بعزف نغمات الثورة على أوتار الحنين و عزة القومية العربية يُردد :
يَ ألِّ لك حماسَ … ولَّ عندك يقين
بالثورة و أَلْواسَ … جيش أزواديين
تحية للثوار … و الشُّهدا لبرار
تحية تحية … و المجد ولنْتِصار
فَيْدي بندقية … وَاسْو فيدي گيتار
من أجل الحرية … أنكافح لسْتعمار
هكذا هو الوضع الأزوادي المعقد و البسيط ، المتناثر بين دولٍ عديدة ، دُولً أجمعو على وخزه بسيوفهم كل من طرفه ليتفرق دمه بينهم و التذهب الإنسانية إلى الجحيم .. و يبقى أزواد بين تهميش الدولة المالية و أنانية الدولة الفرنسية رافعاً راية المجد و الصمود .
بقلم: إبراهيم الحسن
المراجع
حركة النضال العربي لتحرير أزواد