في مشهد يحمل رمزية أكثر من فعالية، أقدم وزير الدفاع المالي، ساديو كمارا، على زيارة مدينة كيدال، بعد قرابة عامين من سيطرة مجموعة فاغنر الروسية عليها. كيدال، المدينة المنكوبة الخالية من سكانها، تحولت اليوم إلى ساحة صامتة لصراع داخلي بين أجنحة السلطة في باماكو.
لطالما كانت كيدال عقدة في الوجدان العسكري المالي، و”حلمًا مؤجلًا” للانقلابيين الذين استولوا على الحكم عام 2020. لكن زيارة كمارا، التي جاءت في ظل حديث عن خلافات بينه وبين الرئيس الانتقالي أسيمي غويتا، تبدو وكأنها محاولة لتسجيل نقطة رمزية في صراع نفوذ داخل أروقة السلطة. ففي الوقت الذي يُتهم فيه غويتا بالعجز عن الخروج من قصره في كولوبا، يظهر كمارا في “أرض المعركة” – وإن كانت مهجورة.
لكن السؤال الأهم يبقى: ما جدوى هذه الزيارة؟ كيدال اليوم ليست مدينة تُدار، بل أطلال تُزار. فغياب السكان، وانهيار البنى التحتية، وغياب أي مشروع لإعادة الإعمار، يجعل من الزيارة استعراضًا أكثر منها خطوة استراتيجية. وهي تعكس، إلى حد بعيد، واقعًا تهرب فيه السلطة من مواجهة الأزمات العميقة، إلى التعلق بأوهام النصر في ساحات فارغة.
في النهاية، قد تُكتب الزيارة في السجلات الرسمية كإنجاز، لكن التاريخ لا يحفظ الصور، بل الحقائق. وكيدال، كما أن مالي كلها، لا تحتاج إلى جولات استعراضية، بل إلى حلول حقيقية تعيد الأمن، والكرامة، والحياة.
بقلم: الأستاذ داود أغ بادي