
كان الإنسان منذ القدم متعلقا بالديار والأوطان تعلقا سطره الشعراء على صفحات التاريخ, ومنحوه الخلود الأبدي, وكانت ساعة الرحيل والوداع شديدة الوقع والأثر على النفوس, تنفطر بها الأكباد, وتحار منها العقول, وتنعقد بها الألسنة
وها هي بنات الدهر تجبر الأسر المظلومة من أبناء القريتين (تَاجَلالْت), و( تِينْ أَغَغِي), على أن تعيش تلك التجربة المريرة, وأن تتذوق طعم الهجرة ومفارقة مسقط الرأس, فما كان من أسر القريتين إلا أن تشرع في توديع أنقاض مستشفياتها, ومدارسها بنظرات تعكس الألم, والتحسر, وتجسد حجم الإحساس بالظلم والاضطهاد, وإلا أن تخلف منازلها ومزارعها وتضطر إلى النزوح إلى مكان لا تصلها أصوات العصابات التي تتنافس في إحراز قصب السبق في ترويع الآمنين, والاعتداء على العجزة وتهجير المواطنين, وفي إتلاف الممتلكات العامة والخاصة.
ولم يكن يخطر في بال أي فرد من أبناء القريتين أن حوادث الأيام ستجبره على وداع قرية تعد منارة علمية تاريخية, وسراجا منيرا يضيء طريق الحق في متاهات الصحراء الكبرى, كما تعتبر يدا عطوفة تتلمس مواضع الألم في أجساد شعوب المنطقة, وتتفاعل بأصدق العواطف وأعمقها بكل ما يلم بها من دواعي الحزن والسرور.
وعزاؤنا في القريتين وغيرها
شعر سرى في سائر الأمصار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما
خلق الزمان عداوة الأحرار
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
ويذكر أن قرية تجلالت إقتحمها مسلحون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وأحرقوا سوقها الأسبوعي وكذلك مستوصفها وصيدليتها وخربوا بئرها الإرتوازي الوحيد وأمرت سكانها بالمغادرة الفورية وغير المشروطة.