
زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لنقابة الأشراف
عند صعودي إليها كي أزور ضريح “سيدي ياجا” أشار لي مرافقي على مقام آخر.. إنه سيدي الحاج عبدالله، ثم اتجه بي إلى البوابة الوحيدة للقرية القديمة تقع في الجهة الجنوبية منها التي كانت تغلق بعد مغيب الشمس، ويجلس خلفها فوق مصطبة طينية – لازالت موجودة – حارسها الذى توارث مهنته والد عن والد، أخرهم محمد على محمد – راتبه قبل أن يتركها منتصف الثمانينات ثمانية جنيهات- لم يكن يسمح لأى زائر أن يدخلها حتى يبلغ شيخ الواحة.
كان يراقب المدخل إليها من “فتحة التعارف” في الباب المغلق ، فيأذن له إن كان من أهالي الواحة ، أما إن كان غريبا فيوقظ شيخها و4 رجال لينظروا في أمره ويتم التحفظ عليه، تجولت بين أزقة ضيقة تحت أسقف واطئة هي سمة كل قصور الصحراء المتقوقعة على نفسها اتقاء لغزو “الغرابة” وغارات السلب، ولأن صعودي إلى البلدة القديمة لم يكن إلا لرؤية الباب، وغرض التبرك، خرجت مسرعا إلى الضريح الأقرب للبوابة.
أهملوا المولد والضريحين وصاحبيهما منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، بعد أن هدمت الأمطار الغزيرة التى استمرت لأكثر من 3 أيام، أغلب بيوت القرية القديمة فوق الهضبة، قال الشيخ حسن خليفة: كنا نطمئن به وبسيدي الحاج عبد الله، لا يعرفون لهما موطنا ولا من أين جاءا، ولا يعرفون بقية للاسم، فقط “ياجا” والحاج عبد الله.

محرر بوابة الأهرام عند ضريح سيدي ياجا
وقتها لم يذكر لي الشيخ حسن أن أحدا من آبائه قال شيئا عنهما سوى أنهما مرا بالواحة في مقفلهما من الحج في زمنين مختلفين، وأنهم استشعروا بركتهما في أزمنة الجدب، وقد مرت عدة سنوات على أجدادهم قل فيها محصولا الزيتون والبلح، وعندما مر الحاج عبد الله واحتاج لبعض الزاد من البلح شكا له أهل الجارة فقرهم وضعف محصوله، ولكنهم أعطوه “ويبة”، داعياً لهم بالبركة، فزاد المحصول، مما أبهجه عند عودته من الحج و توقف لديهم ، لكنه مرض وتوفي ، فتبركوا بدفنه بجوار البوابة وأقاموا ضريحا له، ويذكر الشيخ جبريل: ان سيدي ياجا توفي فوق ناقته قبل الوصول الى منبسط الواحة وكان قد أوصي رفاق رحتله اذا مات فوق راحلته يدعونها في سيرها حتي تتوقف، وعند موضع توقفها يدفنونه وهو ما حدث، ودفنه أهله بمشاركة اهل الواحة حيث توقفت الناقة وأقاموا له الضريح وأوصوا به أهل الواحة.
ومنذ مئات السنين يقيمون لهما ليلة احتفال بمولدها فى موسم حصاد البلح.. وضحوية في الشتاء كما قال لي في أخر زيارة لها-2021- شيخها الحالي جبريل، في المولد يبدأون بتحديد 4 من رجال الواحة للخدمة بطهى ثلاث عنزات مع الأرز. ويبدأ الاحتفال بعد صلاة العصر بالتواشيح والأناشيد والذكر حتى صلاة العشاء فيؤدونها جماعة، ويطعمون ثم ينصرفون إلى نومهم، وموعد المولد عيد الحصاد. أما الضحوية فيقول الشيخ جبريل نقيمها مبكرا مع طلعة الشمس أول آوان البلح عندما تبدأ تباشير نضجه ونذبح عنزة ونطبخ أرزا يأكله الناس ثم ينصرفون الى حقولهم ، وكل جمعة نشعل في الضريحين شموعا ونبتهل ان يديم الله بفضله وجود هذين السيدين وبركتهما علينا.

زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لمنزل الشريف تامر القاضي
في تمبكتو عام 2012 قرأت عن سيدي عبد الله، وسمعت من أحفاده حكايته وأنهم لايعلمون عن موطن دفنه إلا قليلا مما سجل الأقدمون وكتب الفرنسيون أو احتفظت بعض المخطوطات بنثار من حكايات السابقين لمواطن متعددة قيل إنه دفن فيها ، دون تحديد مكانا محددا.
كتب الفرنسي “بول مارتى” أن “الحاج بلاَّ” كان ولياً صالحاً، وقد توفى إثر عودته من أداء فريضة الحج فى واحة غير محدودة المكان، ومن الواضح أنه ترك عدداً من الأبناء، أما “الدكتور عب الله بن محمد الأنصارى” فيذكر فى كتابه “الأوفى في تاريخ بني انفا الأنصار”: تقاربت الأخبار والروايات فى مكان وفاته بعد عودته من أداء فريضة الحج حيث قيل أنه مدفون فى واحة”سيوة” الواقعة جنوب غرب مصر، وقيل فى قرية قريبة من واحة سيوة تسمى “أم القصير”، وقيل أيضاً فى قرية تسمى “أم السنيين” القريبة من واحة سيوة ولذلك يعرف سيدى الحاج بلاَّ بـ”الأب المصرى أو “أبَّا وأنْ مِصرَ”، اذن هوهو سيدي عبدالله دفين الجارة، فاسمها “قارة أم الصغيرة” وكان الخطأ في الاسم المكتوب في المخطوط أو الخطأ في قرأته.

زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لضريح سيدي سعد بالفيوم
يقول الدكتور أبو عمر مرتضى الأنصاري -أحد أحفاد سيدي بلا من السعودية-: تنشر الآن ذريته في السعودية والجزائر والمغرب وموريتانيا ومالي والنيجر وليبيا ويزدون عن عشرة الاف إلا أنهم متواصلون مع بعضهم ولا يتزوجون إلا منهم ويقول الباحث الدكتور عكرمة الأنصاري من أحفاده -من المغرب :أنهم ظلوا في تأرجح حول موطن دفنه وإن مالوا إلى مصر حيث كانت أقرب الأماكن منطقية حيث تقع على طريق الحج بالنسبة لهم في الصحراء الكبرى كما أن المتواتر بينهم أسم ” الأب المصري” هو ما مثل شبه إجماع بيننا نحن حفدته، مضيفا : أن الشيخ الدكتور مرتضى الأنصاري أدرك من كبار السن من احفاد الحاج بلا من بينه وبين جده ” بلا ” ثلاثة أباء فقط ، وكانوا يذكرونه ب الأب المصري وقرأ في وثائق مخطوطة أنه تزوج في مصر في إحدى محطات الحج وعقب ابناء ، ولكن لم نجد صدى لذلك في الجارة .،وتعيش في المغرب الآن الأميرة بلقيس ابنة الأمير محمد علي الانصاري الذى تولى إمارة سلطنة تمبكتو « عام 1922 م بعد وفاة والده الأمير الطاهر المهدي الأنصاري.
وحتى بداية القرن العشرين كانت قوافل الحج أو ما يعرف بـ”ركب الحج االشنقيطى” ـ من موريتانيا الحالية ـ والتكرورى القادم من بلاد التكرور وغرب إفريقيا تمر بها ، أما الفتى المصري الذي صاحبه كمريد وتلميذ الذي كان بصحبته والذي ورد في الحكايات القديمة وذكره أحفاد الحاج بلا من اللأنصار والذي كفنه مع أخيه ودفناه بالقرب من مقام ياجا وسافر شقيقيه محمد “أمدايَّا”، ومحمد “أبـَّانيْن”، ومعهم غلام هو الفتي الشريف محمد بن سعد الذي واصل رحلته الى المنتبذ الاقصى -شمال غرب موريتانيا حاليا- وهناك ظهرت كراماته وتجلياته وعرف في التاريخ الموريتاني باسم سيدي محمد الشريف الصعيدي وهو جد “صعايدة ” موريتانيا الحاليين ومنهم حفيده الولي المحمدي وقطب الصوفية الاشهر في الغرب الافريقي “سيدي ” علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي ، ويذكر أن سيدى محمد الشريف الصعيدى، ولد فى الفيوم نهاية القرن الحادي عشر هجري و تضلع بالعلوم والمعارف الدينية ونهل من معين شيخه “عبد العليم الفيومى” ثم خرج سائحاً متجهاً إلى مجمع البحرين، صحب الحجاج عائداً ووصل إلى المنتبذ القصى فى موريتانيا وكان أول من اتصل به أهل بارك الله فيه فى تيرس، فأكرموه وزوجوه وظل بينهم حتى توفى عام 1232هـ. قال الشريف القطب بدي بن سيدي محمد الشريف عندما سمع الرؤيا التي تواترت للعلامة محمد بن محمد سالم وأبنائه العلماء فقد رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة يخبرهم بصحة شرف آل سيدي محمد الشريف الصعيدي، كان حمدي بن الطالب من عباد الله الصالحين، وأهل التربية العارفين، ولما حضرته الوفاة أخبر مريده” زائد المسلمين” أنه ينتظر شريفا صعيديا من مصر منذ نحو ثلاث سنوات فإن مت فلاقيه ، ثم توفي ، وذات يوم عصفت ريح بخيمة كان” زائد المسلمين” نائما فيها، فانتبه وقام يرفع جانب من الخيمة، فرأى قافلة تمر قريبا منه فقام إليها سائلا كما أوصاه شيخه: هل رأيتم أحدا؟

زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لنقابة الأشراف
فأخبروه أنهم رأوا شخصًا يسير مع الوحش والنعام، يظهر لهم تارة ويختفي تارة أخرى، فسأل: أين؟ فدلوه على آخر مكان رأوه فيه، فانطلق حتى وصله، فرآه يصلي فوقف خلفه ، فالتفت سيدي محمد الشريف إليه وأخبره بما حدثه به شيخه حمدي، فدهش زائد المسلمين لذلك وتيقن من صحة رؤيل شيخه وان هذا الفتى هو الشريف الصعيدي، قال عنه سيد الصحراء وشيخها الأجل سيدي المختار الكنتي في “فتح الودود”: “وليس بعجب لزوم الوحوش للصالحين المتجردين ولقد كثر ذلك حتى صار أمرًا ضروريًا”.
وظل سيدي محمد الشريف في موريتانيا على هذه الحال منعزلا عن الناس للعبادة، وكان أكثر عبادته التفكر، يقضي أغلب أوقاته في الخلوات.

زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لمنزل الحاج علي الشريف
فكان كما كتب عنه في أدبيات الفقه والتصوف في غرب إفريقيا :” نعمة عظمى وبركة كبرى على أهلها، وأول من اتصل به من القبائل “أهل بارك الله” في “تيرس” بعدما أخبرهم زائد المسلمين بأمره، وفيهم العلامة سيد عبد الله بن الفاضل ومحمدّ بن إسحاق، وبعد إلحاحهم عليه في الذهاب معهم ذهب معهم، وامتنع عن الكلام حتى إذا أقبل عليهم المامون بن محمذ الصوفي اليعقوبي -وكان مكاشفا- فأنشد قوله:
بشرى لقد نشر الرحمن رحمته :: فينا فما برحت رحماه تنتشر
أهدى الإمام ابن سعد نحو بلدتنا :: من الصعيد كما قد شعشع القمر
أفضى إلى مجمع البحرين مبتغيا :: ما يبتغي قبله في المجمع الخضر
ما كنت أحسب حتى حل بلدتنا :: أن صار يجري على إسعادنا القدر
يا سبط سبطي رسول الله خذ بيدي :: إن الشفاعة منكم للورى ذخر
فأقسم الشريف قائلا: وحق الرسول – صلى الله عليه وسلم- إني لمقابل بين الحسن والحسين مثل مقابلة محمذ بن احميّد في المختار بن ألفغ موسى.
فلم يلبث طويلا حتى ظهر صلاحه، وشاع خبره في الناس فبهر الناس أمره ووفدوا عليه من كل حدب وصوب، وشهد له العلماء بالبراعة في علمي الشريعة والحقيقة،
وقد قال القاضي الإمام بن الشريف أن العلامة المختار بن بونه اجتمع بسيدي محمد الشريف فلما سئل عنه قال: “ما أعرف عنه إلا براعته في العلم الظاهر”.

وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين يطالعون مخطوطات أنسابهم
وتزوج سيدي محمد الشريف في هذه الفترة بِـبَوْبَّ بنت محنض اليعقوبية التي أنجبت له ولده الولي الصالح ذا الكرامات الظاهرة والخوارق الباهرةتوفي سيدي محمد الشريف الصعيدي من بعد ما “أنجب في “أوراس” – وهي سواحل المحيط البعيدة من العمران – ذريته النجيبة واستودعهم الله تعالى”، وبقي فيهم علمه وصلاحه وفضله يرى نوره فيهم باديا بارك الله فيهم،ومن غريب أمر سيدي محمد الشريف ما ذكره هارون بن الشيخ سيديا في “كتاب الأخبار” من أنه “لما دفن نبتت عند رأسه شجرة عظيمة شديدة الخضرة”، وهذه الشجرة هي الجذع الأخضر المعروف الذي يطلق على تلك الروضة المباركة. وعند رأس سيدي محمد الشريف ركز العلامة امحمد بن الطلبه حجرا طويلا – يقال إنه جاء به من تيرس- نَقش فيه بخطه: “هذا ضريح سيد محمد الشريف رضي الله عنه”
وقد أشاد كثير من العلماء والصلحاء بمناقب آل سيد محمد الشريف الصعيدي وفي موريتانيا حيث يممت وجهي كنت أسمع عن “قريبك الصعيدي الشيخ الولي” كما كان يقولون لي، وعرفت أن في نواكشوط أشراف صعايدة جاء جدهم من مصر ، ولحفيده الشيخ سيدي علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي مريدين كثر وأنه من أهل الخطوة والمعارف اللدنية سألت أحدهم وهو أستاذي الدكتور محمد ولد أحمد البرناوي عن تدبير موعد لي معه فأخبرني أنه دائما في الخلوة ، لا يخرج الا نادرا ولذلك فلا يستطيع كل من يريدون التبرك به رؤيته ، بعد عامين حدثني الدكتور خالد غريب رئيس قسم الأثار اليونانية بكلية اللآثار جامعة القاهرة وكان آنذاك مديرا للمركز الثقافي المصري بنواكشوط أن جماعة الشيخ علي الرضا يطلبون مساعدتي في البحث عن جذورهم ، فبدأت الرحلة مابين اسوان وقنا وسوهاج والفيوم مستعينا بمن أعرف من الأشراف والباحثين وعلى رأسهم السيد محمود الشريف نقيب السادة الأشراف والسياسي الشاب تامر القاضي والحاج علي الشريف وغيرهم ، وكان الشيخ علي الرضا قد أرسل ال الى مصر وفدا لتحقيق نسب جده الشريف في الفيوم وصعيد مصر ، صحبهتم “الاهرام” وهم الشريف سيدي عبد القادر بن محمد بن بدي الصعيدي. والدكتور محمد سالم ولد الطلبه الموسوي والزميل الصحفي المختار ولد الشبيه ولد أبوه مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بنواكشوط.

محرر بوابة الأهرام عند ضريح سيدي محمد الشريف الصعيدي في مدينة روصو بموريتانيا مع أحفاده

محرر بوابة الأهرام عند ضريح سيدي محمد الشريف الصعيدي في مدينة روصو بموريتانيا مع أحفاده

شاهد علي قبر سيدى محمد الشريف الصعيدي في روصو بموريتانيا

محرر بوابة الأهرام دخل مقام سيدي بله

زيارة وفد الأشراف الصعايدة الموريتانيين لنقابة الأشراف

الدكتور محمد ولد البرناوي

محرر بوابة الأهرام امام مرقد سيدي محمد الشريف الصعيدي المسمي الجدر الأخضر

د محمد ولد الطلبة وسيدي عبد القادر الشريف امام ضريح الفاتح عمرو بن العاص

د ولد الطلبة وسيدي عبد القادر

سيدي عبد القادر ولد محمود بدي الشريف امام مسجد الامام الحسين

الشيخ عكرمة الأنصاري حفيد سيدي بله

عند قبر الشريف الصعيدي

محرر بوابة الأهرام مع الشيخ علي الرضا الصعيدي

مع نقيب السادة الأشراف والمهندسشريف عبد العظيم

وائل الشريف يعرض مخطوطات النسب الشريف

الشيخ علي الرضا يقول عنه اشراف الصعيد لوكان فينا لوزناه بالذهب

د محمد ولد الطلبة وسيدي عبد القادر الصعيدي ومختار ودلد الشبيه والشريف الاردني عهد الشريف مع الدكتور
المصدر: صحيفة الأهرام
الدكتور أيمن السيسي نائب رئيس التحرير في صحيفة الأهرام المصرية.