

فرنسا ترسل قوّات جديدة “تاكوبا” في الساحل (ازواد). الأبعاد الجيواستراتيجية على الساحل وشمال أفريقيا:
أهداف العملية جيو-عسكريًا:
- تعزيز قبضتها على الساحل “منطقة ازواد بشكل خاص”
- السيطرة على حراك مالي
- احتواء وطوق التقدم التركي استراتيجيا.
تطّور خطير في الساحل: وجدت المصالح الفرنسية في مالي وليبيا بخطر، ففّعلت عمليتها العسكرية الجديدة( تاكوبا/*Takuba). وأعلنت فرنسا أن الأربعاء القادم سترسل 300 عسكري من القوّات الخاصة في الساحل:
بداية القصة ماذا يحدث؟:
في بواكير 2019 شهدت الساحل مجموعة من المظاهرات ضد الوجود الفرنسي في المنطقة، وسطت موجة كراهية ضدها. كخطوة تكتيكية لاحتواء الغضب والكراهية نظمّ الرئيس الفرنسي قمةّ مع رؤساء دول الساحل ال5( النيجر، مالي، تشاد، بوركينا فاسو، موريتانيا) القمة الشهيرة التي كررّ فيها الرؤساء رغبتهم التعاون مع فرنسا، متجاهلين الأصوات الشعبية التي تطالب بطرد فرنسا. علاوةً على طلبهم قواتا إضافية. طلبٌ يجسد الشيزوفرينيا (الانفصام) بين رؤساء الساحل وشعوبهم. الشعب يطالب رحيل القواعد الفرنسية، وبالمقابل الرؤساء استزادوا من القوّات لحرب الإرهاب الذاتي يخسرونها زعموا.
قررت فرنسا حينها بإرسال المزيد من القوّات، ووعدت بإقناع مجموعة من القوى الأوروبية لتتعاون معها هذه المرة لإرسال قوات جديدة تعزيزًا لعملية ( برخان) الفرنسية المتواجدة في الساحل منذ 2013.
وبعد بضعة أيّام وبالتحديد شهر مارس 2020 قررت هذه المرة إنشاء عملية جديدة باسم ( *تاكوبا). وفي خواتيم شهر مارس المنصرم أعلنت عن قائمة ضمنت أسماء حلفائها الجدد وهي كل من: بلجيكا، التشيك، الدنمارك، استونيا، إيطاليا، هولندا، البرتغال، السويد بإرسال قوّات مع فرنسا لتعزيز عملية برخان (4500) وبذلك يصبح المجموع مع تاكوبا 4800، ومجموع القوّات الفرنسية في جنوب الصحراء 8000.
لكن القوى الأوروبية الكبرى ك ألمانيا والمملكة المتحدة والنرويج رضيت تقدم دعمًا سياسيًا ولكن دون الالتزام بإرسال أي قوات. إذْ تدرك أنّ تاكوبا ما هي إلا محاولة فرنسية لتعزيز أجندتها في الساحل وليبيا. ما يتعارض مع دولة بركسيت (بريطانيا) في الأخص، ومشاريع الانغلوساكسون في العموم.
• لماذا عملية تاكوبا جيوعسكريا مهمة جداً؟
الجواب: لأنّها خارطة طريق فرنسية تهدف إلى تأمين مصالحها في الساحل وشمال أفريقيا عبر قواعدها العسكرية، إذ لفرنسا قاعدة عسكرية في:
- تيساليت وغاو بأزواد و باماكو في( مالي)
- مدما،اغيلال، أغاديز في ( النيجر)
- أبشي، فايا،إنجامينا، في (تشاد)
- قوات بحدود (بوركينا فاسو)
- أتار، في (موريتانيا)
- منطقة بووا ( ساحل العاج) (لحاقًا)
هذه القواعد المذكوره أعلاه في الساحل، شريط استراتيجي يربط الدول الحدودية الساحلية ( النيجر/تشاد) مع ليبيا لتأمين سلامة مرور :
- النفط التشادي- يورانيوم النيجر- ذهب (ازواد)و مالي، قطن بوركينا فاسو، وكاكاو ساحل العاج وبقية الموارد الحيوية التي تنهبها في المنطقة. شريط ليربطه مع حقول النفط والغاز الليبية للشركة الفرنسية ( توتال/Total) مرورًا بالجفرة ثم سرت في ليبيا إلى البحر المتوسط ثم إلى أوروبا( فرنسا). وهنا يمكن فهم أنّ التدّخل التركي صار مزعجاً للمصالح الجيواقتصادية لفرنسا.
لذا دعوت إلى القراءة ما بين السطور في التقارب الفرنسي- الشمال الأفريقي الذي شاهدناه مؤخرا، ( تصريحات قيس سعيد، رفاة شهداء الجزائر، تصريحات المملكة المغربية، دعم فرنسا لبيان الدفاع المصري حول سرت وكونها “الخط الأحمر المصري”) ما هو إلا تشكيل جبهة فرنسية مع متضامنين لها ضد الخسائر المحتملة في مصالحها الجيواقتصادية التي تشهدها ضد ( إكسون موبيل) الأمريكية ، وضد التدّخل التركي لصالح شركتها للبترول ( تپاو/TPAO). من الجدير بالذكر أنّه للجزائر ومصر المواقف حقيقية لكن من الجانب الفرنسي هي استغلالية لخلق جبهة متعاطفة مع موقفها.
لذا تحاول فرنسا ترسيم دعائم أوروبية، إضافةً لكسب ميول مصر، تونس، الجزائر. لتحييد تركيا، والشركات الأمريكية بعد ذلك.
• لكن بالمقابل؛ هل التدّخل التركي جيواستراتيجيا في الساحل وشمال أفريقيا مكسب سياسي للقارة لمكافحة فرنسا؟
الجواب: في الجيواستراتيجية نهتم بالدين( الذي يجمعنا مع تركيا) لكن نهتم أيضاً بالسلام، الحرب، الأيديولوجيات، المكان، النظام الدولي، الاقتصاد، المنظمات الدولية، وو. والأهمّ عندي التاريخ:
في تاريخ 1884-1885 في مؤتمر برلين الذي قسّموا فيه أفريقيا كالكعكة دون دعوة أي أفريقي كان الدولة العثمانية التركية حاضرة ليس فقط لم تعترض بل حصلت على (4٪) من الأراضي الأفريقية! نصيب كل واحد:
- فرنسا (32٪) المملكة المتحدة (26.8٪) وألمانيا (8.7٪) وبلجيكا (7.6٪: والبرتغال (6.9٪) ، أي ما يقرب من 82٪ لهذه الولايات الخمس المذكورة. تركيا العثمانية (4٪) إيطاليا ( 1.7٪) وإسبانيا (1.5٪).
من حيث الميول الدينية، أستطيع استيعاب التعاطف مع تركيا وربّما نشر مسلسلات ” قيامة أرطغرل” و”قيامة عثمان” وتدافع عن أردوغان. لكن في الجانب المصلحي ليس في صالح لا شمال ولا جنوب أفريقيا عودة المشروع العثماني، -ربّما نيات أردوغان السياسية نبيلة لا أدري- لكن ماذا بعد 50 سنةً إن أتى قائد بأطماع سياسية متصاعدة؟! لا تسيؤوا فهمي، نريد علاقات دبلوماسية مع تركيا لكن ضد نجاح مشروع عثماني مهيمن على قارتنا.
الخاتمة والدرس للقارة الأفريقية:
ألخصّ التحليل بتكرار أهداف القوة الفرنسية التي سترسل الأربعاء القادم وأهمية تفعيل قوة تاكوبا في هذا التوقيت هي:
- محاولة أوروبية الدفاع عن مصالحها ضد الشركات الأمريكية بليبيا والساحل، فالصراع جاد وحقيقي بين أمريكا ترامب والاتحاد الأوروبي
-طوق تركيا واحتوائها لتخسر الدول والجماهير بهدف إفشال أطماعها النفطية/الغازية في المنطقة.
- جرّ دول شمال أفريقيا (خاصة) الجزائر في مواجهة مع المشروع التركي، أو على الأقل التضامن مع فرنسا. حيث تم تُصنّف القوات الجوية الجزائرية على أنها الأفضل في إفريقيا من قبل مركز (Military Watch) كما أنّ لديها أكبر أسطول للقوات الجوية في أفريقيا بما في ذلك 45 مقاتلة ثقيلة من نوع (Su-30MKA). كما أن لديها أكثر مقاتلات الهجوم في أفريقيا مع 36 طائرة من طراز ( Su-24M ) في الخدمة و 15 طائرة اعتراضية من طراز (Foxbat MiG-25PDS). بتعبير أكثر صراحة اعتراض أو اصطفاف الجزائر في الصفّ الفرنسي يعني خسارة تركيا نظرياً. لكن الجزائر -كما هو وارد في دستورها- تتبنّى الحياد العسكري في الأزمات. ويبقى التضامن التصريحي فقط للموقف الفرنسي هو المحتمل، وهنا أيضاً صرحتْ الجزائر أكثر من مرة أنّ موقفها الحياد والحل السياسي السلمي في ليبيا وفي قالب أفريقي. وأرى أنّه من الحكمة أن تبقى الجزائر على حيادها الذي يدعمه المجتمع الدولي وأفريقيا.
– وأخيراً عملية تاكوبا تهدف في هذا التوقيت إلى دعمٍ لحلفاء فرنسا في الساحل( خاصة) رئيس مالي الذي يخسر السيطرة على البلاد حاليا.
إدريس آيات-قسم العلوم السياسية- جامعة الكويت
————