
في 16 يونيو 2025، وجه الأديب والسياسي الطارقي النيجري إيسوف أغ مها رسالة مفتوحة إلى رئيسة المحكمة الجنائية الدولية السيدة توموكو أكاني، داعيًا إلى فتح تحقيق دولي بشأن ما وصفه بـ”حملة تطهير عرقي ممنهجة” تقودها السلطات المالية بدعم من مرتزقة فاغنر الروس ضد المدنيين من الطوارق والعرب في إقليم أزواد.
تحالف الانقلابات والميليشيات: بداية الكارثة
افتتح أغ مها رسالته بتذكير المحكمة أن الحكومة المالية الحالية، المنبثقة عن انقلاب عسكري، استعانت منذ ديسمبر 2021 بمجموعة فاغنر الروسية، تحت غطاء رسمي يتمثل في محاربة الجماعات الإرهابية. غير أن هذا التدخل، كما يقول الكاتب، سرعان ما كشف عن وجهه الحقيقي: مشروع تطهير عرقي ضد فئات سكانية محددة، هو مشروع، حسب تعبيره، “طالما غذّته بعض الجهات داخل الدولة المالية”.
اتفاق الجزائر.. تمزيق الاتفاق ومبرر للعنف
في 25 يناير 2024، أعلنت باماكو انسحابها أحادي الجانب من اتفاق الجزائر الموقع عام 2015 برعاية دولية، وهو ما اعتبره أغ مها ذريعة لشنّ حرب شاملة على الحركات الأزوادية. وقد تبع ذلك، حسب وصف الرسالة، ثمانية عشر شهرًا من الانتهاكات البشعة، من تعذيب واغتصاب وقتل ونهب.
القصف العشوائي واستهداف المدنيين
تسرد الرسالة تفاصيل مرعبة عن استهداف مباشر للمدنيين عبر الطائرات التركية المسيّرة، التي استخدمت لقصف الأسواق والمدارس ومخيمات النازحين ونقاط المياه ووسائل النقل، دون أي تمييز. ويؤكد الكاتب أن الجيش المالي وميليشيا فاغنر ارتكبا جرائم متكررة ضد السكان العزّل، في ظل تعتيم كامل بعد طرد المنظمات الدولية من أزواد.
الضحايا بالأرقام.. والإفلات من العقاب
يوضح أغ مها أن جمعيات مستقلة – منظمة إيموهاغ الدولية و جمعية كَل-أكال- قامت بإحصاء الضحايا بشكل دقيق، “قرية قرية، ومخيمًا مخيمًا، وقبيلة قبيلة”، ونتج عن هذا عمل توثيقي تم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. كما يشير إلى تنظيم وقفة سلمية يوم 14 يونيو 2025 أمام مقر المحكمة بلاهاي، شارك فيها ، إلى جانب حقوقيون ومدافعون عن الديمقراطية، من أجل لفت أنظار العالم إلى هذه الجرائم.
لا تسوية دون عدالة.. ولا مصالحة مع النسيان
يحذر إيسوف من اعتبار انسحاب فاغنر من مالي – المعلن في 6 يونيو 2025 – نهاية للأزمة، مطالبًا بمحاسبة جميع المتورطين، من منفذين ومخططين وشركاء، وفقًا لمقتضيات نظام روما الأساسي.
وفي لمحة تاريخية موجعة، يسترجع السياسي النيجري مجازر عام 1963 التي ارتكبها نظام موديبو كيتا بدعم من الاتحاد السوفيتي، حيث شهدت أزواد حينها عمليات إعدام جماعية علنية بحق المدنيين، دون أن تتم أي محاسبة حتى اليوم. ويعتبر أغ مها أن الإفلات من العقاب آنذاك هو ما شجع على تكرار المأساة بعد ستين عامًا.
نداء من أزواد إلى ضمير الإنسانية
تختتم الرسالة بنداء قوي إلى رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، تطالب فيه باستخدام كافة الصلاحيات القانونية والأخلاقية لإحقاق العدالة، والوقوف إلى جانب الضحايا الذين “لا يريدون لتاريخ الدم أن يعيد نفسه”، بحسب تعبير الكاتب.
ويوقّع إيسوف أغ مها رسالته بصفته كاتبًا تارقيًا، وعضوًا سابقًا منتخبًا، وحائزًا على وسام الاستحقاق الوطني، ما يمنح نداءه ثقلًا أخلاقيًا وسياسيًا، وينقله من مجرد شهادة إلى وثيقة اتهام دولية.
خاتمة
رسالة أغ مها ليست فقط استغاثة، بل دعوة إلى العالم الحر للإنصات لصوت أزواد، الذي طالما تم تجاهله. إنها وثيقة من قلب المأساة، تؤرّخ لمرحلة مظلمة في تاريخ الساحل، وتُحمل المحكمة الجنائية الدولية مسؤولية التحرك، لا فقط من أجل الماضي، بل لحماية المستقبل من تكرار هذه الجرائم.