
انسحاب “فاغنر” وبروز “فيلق إفريقيا”.. إعادة تموضع روسي لا انسحاب
الانسحاب التدريجي لقوات “فاغنر” من مالي لا يعني تخلي روسيا عن حضورها في الساحل، بل هو انتقال من صيغة غير رسمية إلى صيغة نظامية ممثّلة في “فيلق إفريقيا” التابع لوزارة الدفاع الروسية.
هذه الخطوة تحمل دلالات استراتيجية أهمها سعي موسكو لتحسين صورتها الدولية بعد التجاوزات المنسوبة لـ “فاغنر”، ورغبة روسية في تكريس نفوذ دائم عبر قنوات رسمية تخضع للعلاقات بين الدول لا للمرتزقة، وإغلاق صفحة “فاغنر” دون مساءلة، بعد اغتيال قائدها بريغوجين، والتوجه نحو منظومة أكثر انضباطًا.
أما الرسالة السياسية، فمفادها أن روسيا باقية في إفريقيا، لكن بثوب جديد، ولا تنوي ترك فراغ في منطقة تراها استراتيجية في صراع النفوذ مع الغرب.
الأزواد : عودة قوية إلى واجهة المعادلة
المكاسب الميدانية الأخيرة التي حققتها الحركات الأزوادية، وعلى رأسها الانتصار في “تينزواتن” (يوليو 2024)، تعيد طرح قضيتهم كحقيقة ميدانية لا يمكن تجاهلها:
-فشل الحسم العسكري رغم الدعم الروسي والمالي.
-تأييد شعبي واسع للحركات الأزوادية في الشمال.
-تعطل اتفاق الجزائر 2015 بسبب إخلال باماكو بتعهداتها.
أما الرسالة السياسية: هناك كيان أزوادي فعلي على الأرض، يملك السلاح والشرعية المحلية، ما يستدعي فتح مسار سياسي جاد يعيد إحياء الحوار بناءً على أسس جديدة، دون تجاوز المرجعيات المتفق عليها.
خطر الانهيار الداخلي يهدد باماكو
مع ضعف أداء الجيش المالي وتراجع ثقة السكان، يتسارع تقدم الجماعات الجهادية نحو العاصمة، وسط صمت دولي وغياب قدرة على المواجهة:
تصاعد الانتهاكات في حق المدنيين.
تقهقر المؤسسة العسكرية.
غياب استراتيجية واضحة لدى السلطة الانتقالية.
أما الرسالة السياسية: مالي أمام سيناريو شبيه بسقوط كابول (2021)، ما لم يُبادر إلى تسوية سياسية وأمنية عاجلة تنقذ ما تبقى من الدولة المركزية.
الجزائر : رؤية ثابتة ومسؤولية تاريخية
باعتبارها دولة محورية في المنطقة، وراعية اتفاق الجزائر للسلام في مالي، تواصل الجزائر التأكيد على ثلاثة مبادئ في تعاطيها مع الوضع:
رفض التدخلات الأجنبية المباشرة ودعم الحلول الإفريقية-الإفريقية القائمة على السيادة.
التمسك باتفاق الجزائر كمرجعية سياسية مع الانفتاح على تطويره بالحوار.
دعم وحدة مالي دون إقصاء لأي مكون مجتمعي، خاصة الأزواد، في إطار العدالة والمواطنة.
خلاصة تحليلية
روسيا تغيّر أدواتها من “فاغنر” إلى “فيلق إفريقيا”، لكنها لا تغيّر هدفها في التمركز الاستراتيجي.
الحركات الأزوادية تثبت وجودها السياسي والميداني، وفرضت نفسها طرفًا في أي حل.
باماكو في مأزق مزدوج: عسكري واجتماعي، وقد لا تصمد دون تسوية شاملة.
الجزائر وحدها تملك أوراق التهدئة: عبر الحوار، الوساطة، ورفض التقسيم، مما يجعلها الأمل الأبرز لتفادي الانهيار.
بقلم : جلول شتوان / رئيس تكتل الحصن المتين
المصدر: إفريكا نيوز