
في عام 2024، استمرت منطقة الساحل وأزواد في مواجهة أزمة إنسانية وسياسية عميقة، حيث تفاقمت الانتهاكات ضد المدنيين بشكل كبير. وفقًا لتقارير حديثة صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في أفريقيا (Cesa) وجمعية “كال أكال”، فإن الجيوش الوطنية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بالإضافة إلى مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، تسببت في مزيد من الضحايا المدنيين مقارنة بالجماعات الإرهابية. هذه الصورة القاتمة تكشف عن تحول خطير في طبيعة الصراع في المنطقة، حيث أصبحت القوات التي يفترض أن تحمي السكان مصدرًا رئيسيًا للعنف والرعب.
الجيوش الوطنية ومرتزقة فاغنر: من الحماية إلى الإرهاب
تشير البيانات الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في أفريقيا إلى أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تسببت في مقتل 18,900 شخص في أفريقيا خلال عام 2024، وهو انخفاض مقارنة بعام 2023 الذي شهد 23,000 حالة وفاة. ومع ذلك، فإن الساحل لا يزال أكثر المناطق دموية في القارة. اللافت للنظر أن الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بدعم من مرتزقة فاغنر، تسببت في عدد أكبر من الضحايا المدنيين مقارنة بضحاياهم من الجماعات الجهادية.
هذه الظاهرة تثير تساؤلات خطيرة حول دور الجيوش الوطنية وشركائها الأجانب. فبدلًا من أن تكون قوات حماية للمدنيين، أصبحت هذه القوات مصدرًا للعنف الممنهج. تقارير “كال أكال” تؤكد أن الجيش المالي ومرتزقة فاغنر ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في أزواد، بما في ذلك عمليات إعدام خارج نطاق القانون، واعتقالات تعسفية، وتدمير الممتلكات، وحتى الاعتداءات الجنسية.
أرقام صادمة: انتهاكات حقوق الإنسان في أزواد

جمعية “كال أكال”، التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان في أزواد، قدمت تقريرًا مفصلاً عن الوضع في المنطقة خلال عام 2024. وفقًا للتقرير، تم تسجيل:
- 1,084 حالة إعدام ومحاولات إعدام ومجازر.
- 522 حالة اعتقال تعسفي واختفاء قسري وخطف.
- 95 حالة تعذيب وإصابة وتهديد.
- 165 حالة تدمير ونهب وسرقة.
- 9 حالات عنف جنسي (اغتصاب).
- 35 حالة تدمير بيئي، بما في ذلك حرائق الغابات وتدمير النظم البيئية.
هذه الأرقام تعكس واقعًا مأساويًا يعيشه المدنيون في أزواد، حيث أصبحت حياتهم اليومية تحت تهديد مستمر من جميع الأطراف المتصارعة. الجيش المالي ومرتزقة فاغنر، الذين يفترض أنهم يقاتلون الجماعات الإرهابية، أصبحوا هم أنفسهم مصدرًا للرعب والعنف.
تدهور الأوضاع الإنسانية والبيئية
إلى جانب الانتهاكات المباشرة لحقوق الإنسان، تشير التقارير إلى تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية والبيئية في المنطقة. تدمير الممتلكات وحرق الغابات وتلويث مصادر المياه أدى إلى تفاقم معاناة السكان الذين يعانون بالفعل من نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية. هذه الأوضاع تزيد من هشاشة المنطقة وتجعلها عرضة لمزيد من الصراعات وعدم الاستقرار.
نداء للعمل: حماية المدنيين واستعادة الأمن
في ظل هذه الأزمة الإنسانية المتصاعدة، هناك حاجة ملحة لتدخل فاعل من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية. يجب أن تكون حماية المدنيين أولوية قصوى، كما أن هناك ضرورة لمراقبة مستقلة لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على تعزيز سيادة القانون ودعم الجهود المحلية لبناء سلام مستدام.
الوضع في الساحل وأزواد يتطلب نهجًا شاملاً يعالج الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الفقر والتمييز وغياب العدالة الاجتماعية. بدون ذلك، ستستمر المنطقة في الدوران في حلقة مفرغة من العنف والمعاناة.
خاتمة
أزمة الساحل وأزواد هي تذكير صارخ بمدى تعقيد الصراعات الحديثة، حيث تختفي الخطوط الفاصلة بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة. في هذه الحالة، تحولت الجيوش الوطنية ومرتزقة فاغنر من أدوات حماية إلى مصادر تهديد للمدنيين. هذه الظاهرة الخطيرة تتطلب استجابة عاجلة وفاعلة من المجتمع الدولي لإنقاذ الأرواح واستعادة الأمل في مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا للمنطقة.