في إطار الدعم التركي للمجلس العسكري في دولة مالي التي لم تنعم بحكومة رسمية منذ سنوات، شهدتْ فيها دولة مالي الكثير من الاضطرابات يجب علينا تذكير الدولة التركية وليدة الدولة العثمانية العظيمة بالتوقف النهائي عن دعمها للمجلس العسكري في مالي الذي خرق اتفاقيات السلام، وطرد بصورة همجية لا أخلاقية البعثة الأممية التي تعتبر الضامن الوحيد لاستمرار الصلح والحفاظ على السلام في شمال مالي منذ 2015.
يأتي طلبنا الملح لتوقيف هذا الدعم بعد انتهاكات إنسانية تمت ممارستها في الأسابيع القليلة الماضية بواسطة طائرات تركية في حق المدنيين العزل، والمرافق العمومية للبلاد كالمساجد والمدارس التي طالما دمرت جراء القصف المستمر للطيران التركي في المنطقة.
إن المساعدات التي يتم منحها لمالي من قبل دول ذات نوايا خيرية يتم استخدامها فور وصولها لطمس العرب والطوارق في شمال مالي بصورة تعسفية غير قانونية؛ ما يبرهن بصورة مقلقة على مدى توغل التمييز العنصري في الجيش المالي الذي استورد في فترة سلم ومصالحة أخطر المليشيات الإرهابية في العالم لممارسة أبشع الجرائم الحربية على سكان المنطقة من الطوارق والعرب! وهو أمر مقبول نسبيا مقارنة مع تدخل توركيا التي تعتبر صديقا تاريخيا مهما؛ فنحن لم نكن لننسى تلك الصداقة التاريخية التي شيدتها الدولة العثمانية في وقت عصيب مع وجهاء الطوارق في الصحراء الكبرى؛ مما أنعش اقتصاد الدولة العثمانية المتهالك؛ بعد انضمام الطوارق للدولة العثمانية باعتبارهم ملوك الصحراء والوحيدون القادرون على استيراد بضائع بلاد السودان للدولة العثمانية في وقت بذلت فيه فرنسا الغالي والنفيس من أجل استمالة شعوب الصحراء لصالحها!
إننا ما زلنا نلامس العلاقات التاريخية مع العهد العثماني في رفوف الكتب؛ ولا شك أن الشعب التركي سيكون له إلمامه بهذه الصداقة التي وصلت إلى درجة تنصيب الطوارق أعلى وظائف الدولة العثمانية، والتي استهل بها بعض قادة الطوارق خطابه في رسالته التاريخية عام 1881 م يوم 02 من فبراير:
من رئيس طوارق هوجار “إتيغل” إلى قائمقام الدولة العثمانية في غدامس
(“الصديق” العزيز أوصيتمونا بحماية الطرق من العدو وقد فعلنا، ونعلمكم بقدوم 1500 جندي مسيحي مسلح عابرين بلادنا نحو السودان… ولكن قام المواطنون بحرب جهاد ضدهم وقتلوهم جميعهم وانتهى كل شيء، والآن أيها الصديق العزيز يجب توصيل هذه الرسالة الى اسطنبول حتما لكي يعرفوا أن الطوارق قد قاموا بجهاد صحيح ضد المسيحيين).
وفحوى هذه الرسالة تنم عن الصداقة والتعاون كما تؤكده رسالة أخرى من الرئيس الطارقي “أخنوخن” 1882 م شهر أبريل:
(اعلموا أنه قد بعث بعض الأشخاص من طرابلس لمعرفة نياتكم ونيات أصدقائكم… اعلموا أنه بعثت الرجال إلى “هوجار” لقتل هؤلاء المسيحيين…)
يتضح جليا مدى تماسك الأتراك وملوك الطوارق؛ ذلك التماسك المنبثق من روح الأخوة الإسلامية والتكافل الاجتماعي وفق معطيات الشريعة الإسلامية في ظرف تاريخي طوّق فيه الأعداء الدولة العثمانية من كل صوب وحدب، واهترأت فيه الدعائم الاقتصادية والدفاعية للدولة؛ وهو أمر لم يمنع الطوارق من البقاء جنبا إلى جنب، متجاوزين كل العراقيل التي تضعها فرنسا الطامعة في خط التجارة الصحراوية، ومستميتين إلى درجة نقض ميثاق غدامس 1862 م حيث اقترح الفرنسيون ميثاقا مع الطوارق في شأن ضمان ما عرف آنذاك ب”تجارة السودان”، على أن يثبُت ويُخوّل للطوارق ما يلي:
-لا يدفع الطوارق مكوسا على أموال بلادهم وأموال السودان التي سيرفعونها…
-يأخذ الطوارق إتاوات المرور، وأجرة النقل، وأجرة الحماية والقيادة.
– يتكفل الوالي العام بدفع المصاريف لإنشاء وصيانة الآبار، وإصلاح الطرق إظهار لحسن نيته…
لا شك أنه عرض مُغرٍ لوجهاء الطوارق لكن ما دامت هناك دولة إسلامية سيكون الطوارق بجانبها حتى لو لم تقدم عروضا وإغراءات، وسيكونون دائما مستعدين لتقديم أي تنازل حرصا على التعاون مع الدولة الإسلامية وهو ما تبرهن عليه الروايات التاريخية بجلاء في شأن سلطنة “آير” حيث تناقلت الروايات الشفهية أن أحد سلاطين الطوارق قدم أغرب طلب تاريخي إلى السلطان التركي؛ حيث طلب منه السلطان الطارقي أن يقدم له أحد أبنائه لكي يمنحه عرشه، وفعلا قدم لهم السلطان التركي أحد أبنائه فتولى السلطة عام 1904 م، ولربما تخطت العلاقة السلطنة إلى المصاهرة!
ومن شدة تفانيهم في الإخلاص للعثمانيين كان سلطانهم يسمى “اسطنبولا” بدل السلطان او الأمير أو الملك!
ورغم أن الطوارق متشتتون في صحرائهم الشاسعة إلا أن الدولة العثمانية استطاعت استقطابهم، وما يعرف الآن بمالي كانت فيه إمارة “كاردنا” الذي ولاه “الغدال” على منطقة أزواد، والغدال مستناب من السلطان في اسطنبول على اغاديز.
وعلى ضوء ما سبق ينتابنا ذهول شديد منذ اكتشاف استخدام المجلس العسكري في مالي للطائرات التركية في حربه ضد المجتمعات العربية والطارقية الأصيلة في الصحراء.
وينتابنا ذهول أشد ونحن نعيش واقعنا المؤلم منذ سنوات من التكالب الدولي، والتهميش والقمع ولا تنبس توركيا ببنت شفة!
فكان لزاما التطرق لهذه النقاط السالفة وتقديم نقاط أخرى مهمة للدولة التركية العظيمة:
أولا: نُعلم أن الترسانات والدعم الجوي الذي تم تقديمه لمالي في إطار حملات مكافحة الإرهاب استغلتها مالي في حربها العنصري ضد الطوارق والعرب وفي فترة سلم ومصالحة؛ فيجب ملاحقتها وتوقيف اعمالها العدوانية في المنطقة في حق المدنيين من الأطفال والنساء والمسنين!
ثانيا: تعليق أي تعاون مع دولة مالي إلا بعد إقامة حكومة قانونية منتخبة!
ثالثا: توقيف المجازر البشعة التي يرتكبها المجلس العسكري مع فاغنير والتي راح ضحيتها المئات من الشعب البريء.
رابعا: نحن شعب أصيل في المنطقة لدينا الحق في تقرير مصيرنا؛ ونأمل تفهم نوايانا كما نعرب عنها، دون الاكتفاء بروايات أحادية الجانب، والتي تصفنا بالإرهاب.
خامسا: نؤكد بصورة لا تقبل الشك أن حملة مالي وفاغنير لم تقم بتصفية أي إرهابي منذ حملتها الأخيرة التي تعتبر استهدافا صارخا للطوارق والعرب!
سادسا: نعلم الدولة التركية والعالم أجمع أن هذه الحملة التي يسوق لها المجلس العسكري لم تكن غير محاولة عرقلة الانتخابات التي كان من المقرر إجرائها بهدف تمديد الحكم العسكري الذي يعتبر تمديده بمثابة التردي العام للدولة المالية على مستوى الأصعدة!
___________________
-الشيخ العتيق بن سعد الدين السوقي، الجوهر الثمين.
-نور الدين شعباني، المجلة التاريخية الجزائرية، م 04 عدد 02.
-عبد الرحمن تشايجي، الصراع التركي الفرنسي في الصحراء الكبرى، ترجمة: الدكتور علي اعزازي.