
في تصعيد ميداني لافت، نفذت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” صباح اليوم الجمعة 30 مايو 2025 هجومين متزامنين استهدفا مقرين عسكريين إستراتيجيين قرب العاصمة المالية باماكو، أحدهما في مدينة كوليكورو الواقعة على بُعد نحو 50 كلم فقط من العاصمة، والآخر في منطقة سيراكرولا التابعة لنفس الولاية.
وبحسب مصادر محلية والقنوات الرسمية مقرّبة للجماعة، فقد تمّت السيطرة الكاملة على الموقعين، وسط أنباء عن وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف الجيش المالي، الأمر الذي أثار قلقًا بالغًا في الأوساط الأمنية والإعلامية، بالنظر إلى قرب هذه المواقع من باماكو، ما يدل على توسّع نطاق نفوذ الجماعة وقدرتها على اختراق الخطوط الدفاعية القريبة من العاصمة.
تكرار للهزيمة: هجوم جورا نموذجًا
جاء الهجومان الجديدان بعد أسبوع فقط من الهجوم الدموي الذي نفذته الجماعة يوم الجمعة الفائت 23 مايو على معسكر الجيش المالي في جورا، والذي انتهى بسيطرة كاملة على الموقع ومقتل ما لا يقل عن 40 جنديًا ماليًا. ووفقًا لما أعلنته الجماعة في حينه، فقد تم اغتنام كمية ضخمة من العتاد العسكري، شملت 6 آليات، و4 رشاشات ثقيلة من عيار 14.5 ملم، و5 دوشكا، و13 سلاح بيكا، و4 قواذف آر بي جي، إضافة إلى عشرات البنادق الآلية والمسدسات والهاونات وصناديق الذخيرة والأشرطة، وتدمير 21 آلية عسكرية من بينها 3 مدرعات.
وتُظهر المشاهد التي بثّتها الجماعة على قنواتها الإعلامية انسحابًا جماعيًا لعناصر الجيش المالي من مواقعهم دون قتال، في مشهد تكرر بشكل صارخ، حيث تُركت الجثث والعتاد خلفهم في صورة تعكس انهيارًا كبيرًا في المعنويات، وتنفي ادعاءات الحكومة المالية بتحقيق مكاسب ميدانية وتزايد جاهزية القوات المسلحة.
مؤشرات الخلل الأمني
هذا التصعيد الجديد يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى فاعلية الاستراتيجية الأمنية المتّبعة من قِبل سلطات باماكو، في ظل تمدد الجماعات المسلحة من المناطق الريفية نحو المناطق المركزية الأكثر حساسية، وصولًا إلى تخوم العاصمة. كما يعيد إلى الواجهة النقاش حول دور القوات الأجنبية والمرتزقة، وخاصة عناصر فاغنر، ومدى قدرتهم على توفير الغطاء اللازم لردع مثل هذه الاختراقات المتكررة.
ويحذّر المراقبون من أن استمرار مثل هذه الضربات، دون مراجعة شاملة للمنظومة العسكرية والأمنية، قد يؤدي إلى سيناريوهات أكثر كارثية، لا سيما مع تصاعد نشاط الجماعة في الجنوب بعد سنوات من تركّز عملياتها في أزواد و ماسينا.
خاتمة
بات واضحًا أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” لم تعد مجرّد خطر محصور في مناطق الأطراف، بل تحوّلت إلى قوة ضاربة تضرب بجرأة على مقربة من مراكز الحكم. وبينما تروّج الحكومة لسردية استعادة السيطرة، تعكس الوقائع الميدانية انهيارات متكررة، وهروبًا جماعيًا لعناصر الجيش، في ظل عجز لافت عن احتواء التمدد الجهادي المتسارع.
ومع كل هجوم جديد، تتقلص دائرة الأمان حول باماكو، وتتسع هوة الثقة بين السلطات وشعبها، ما ينذر بمآلات أكثر خطورة في قادم الأيام ما لم يحدث تحول جذري في المقاربة الأمنية والعسكرية والسياسية للأزمة.