موريتانيا وفلسفة الغزواني ” القفز والارتقاء والحماية “
نعيش الآن مخاضة رخوة زمنيا وساعة صفرية حقيقية تتساوى فيها كل الدول عند الصفر في استثمار الفوائض المالية، فلم تعد هناك دولة غنية ولا دولة فقيرة، إنما دولة تحوز فرص الإستثمار تبحث الصناديق السيادية فى العالم عنها لإستثمار أموالها ، وهى أموال ملغومة وبعضها ملعون ، يمكن أن تتبخر فى الهواء عند حدوث أي أزمة اقتصادية أو قيام حرب كبرى، مثلما ستسفرالحرب الحالية ، كصيرورة تاريخية وتنظيم كونى، عندئذ لن يكون لأوراق النقد الحالية ولا العملات المشفرة أى قيمة فى ظل الانهيارات التى ستحدث، و لذلك فإن هذه الصناديق تجد الآن فى البحث لأموالها على ملاذات آمنة لإستثمارالفوائض المالية المكدسة أراضى تنتج زرعا ، و عقارات كمستودع قيمة أو مناجم بها يحتاجه العالم من معادن هامة للصناعات .هذه الملاذات فى العالم كله ستكون قليلة حسب خريطة التوترات ، فأوربا ستغرق في الحرب وكذلك بحر الصين الجنوبي حتى استراليا والولايات المتحدة ستتفكك وستصيب الحرب الأمريكتين ، وفى الخليج الفارسي واليمن ستندلع النيران قريبا إذا توسعت الحرب – وأعتقد أنها ستتوسع – وهناك دول –ستمحى من الخريطة – ، أما سوريا ولبنان وفلسطين والعراق فستشتعل الأرض والسماء فيها ، و فى السودان يأكل العرب فيها ، أما ليبيا و دول جنوب الصحراء ومايحيط بهم من دول فهي المخاضات الرخوة ، الأكثر تأثرا فى العالم على كافة المستويات الأمنية و الاقتصادية والاستراتيجية. ، وفيها سيندلع العنف والثأرات العرقية والنزاع على الذهب والماء والموارد بين الجماعات والعصابات ودول التكالب الإستعماري ، وسينتشر الإرهاب أكثر ، خصوصا وقد بات تنفيذ النموذج السوري في مالي شبه متفق عليه ، حيث تقترب عاصمتها “باماكو” من السقوط في أيدي جماعة ماسينا (ممادو كوفا ) وخلفها جبهة النصرة (أياد أج غالي ) مع ملاحظة” إشكالية ” العنف و الثأر بين الفلان (عرقية كوفا وأغلبية ماسينا ) وعرقية البمبارا ، أما في أزواد فهل تم الإتفاق بين الأزواديين وتنظيم القاعدة على أن يوافقوا على إعلان إستقلال الإقليم بعد السيطرة على باماكو وإسقاط النظام الإنقلابي الهش فيها ، خصوصا بعد التفاهمات والإتفاقات بين تنسيقية الحركات الأزوادية و جبهة النصرة ( تنظيم القاعدة ) برعاية غربية على غرار ماحدث في سوريا ، وهوما قد يسبب إنهيارا أمنيا شديد التأثير وقد تنتقل العدوى إلى دول الجوار الهشة مثل النيجر وبوركينا (ساحلستان الصحراء ) ثم تتمدد شرقا وجنوبا وشمالا وستكون هذه المنطقة من العالم الأسوأ أمنا والأكثر تأثرا باستثناء الدول التي تملك جيوشا قوية ومؤسسات صلبة مثل مصر والجزائر وموريتانيا ، – ويخشى علي الجزائر من المؤامرات الداخلية والخارجية وعلى مصر أيضا وإن كانت مصر أكثر إطمئنانا وأكثر قوة لتوافر عوامل استقرار وازنة لا تتوفرللجزائر ، أما موريتانيا فلا يخشى عليها إلا من تزايد الهجرة غير الشرعية والإعلام المنفلت و”الفيس بوك ” الممول للتخريب بما يحمل من عنصرية وكراهية، وهو ما يتكامل مع أزمة المهاجرين وإمكانية إستخدام الخطاب العنصري للتفتيت ، إلا أنني أرى إحتياجا عالميا لها ، لأنها تحتلُّ موقعًا متميِّزًا في الطرف الجنوبي الغربي للوطن العربي ، و تشرف على غرب ووسط أفريقيا ودول الساحل، وتقع جنوب أوروبا، وبالقرب منها وفي مواجهة أمريكا وكندا ، و قد تعزز موقعها الإستراتيجي وأصبح أكثر وضوحا خلال سنوات حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ، لأنه استطاع – وفق فلسفة ” القفز والارتقاء والحماية “- الذي بنى عليها أسس حكمه ، فعمل على تحديث البنية العسكريَّة لجيشه على مستويات متعددة من شراء أسلحة عديدة ، نوعيَّة ومتنوعة الأغراض و المصادر ، ورفع الكفاءة القتالية للضباط والجنود ، والاهتمام بهم وزيادة مخصصاتهم ، لتوفير إطار الحماية التي توفر الأمن لحدود بلاده ولشعبه في الداخل ، وتطمئن المستثمرين والدول والجهات المانحة لكي يوفر لحكومته فرص الإرتقاء بالخدمات لمواطنيه حتى تصل إلى أقصى قرية أو تجمع على حافة الصحراء ، وهو ما شاهدته وشهدت عليه في مناطق عدة في موريتانيا ومنها بلدية ” المكفه ” على بعد أمتار من حدود ” أزواد ” ،رأيتها و كل باسكنو وبلدياتها قبل سنوات ، كانت جدباء منعدمة الخدمات والإهتمام ، والآن رأيت كيف عمل عمدتها عبد الله ولد سيدي على رعاية مواطنيه ( و معهم كثير من أهلنا الطوارق اللاجئين إليها من أزواد الذين زرتهم في مخيمي تنواكتيم و أقور ) ، وشاهدت ظروفهم الصعبة واستمعت لمعاناتهم الكبيرة قبل وصولهم لأرض النجاة والأمان ، وماقدمته الدولة الموريتانية لهم مع مواطنيها من الخدمات ، تعليم وكهرباء ومياه وغيرها كماقال لي العمدة عبد الله في ” تنواكتيم ” عاصمة البلدية و وصول مشروع تآزر لدعم الفقراء وأنها (كما قال العمدة إنجازات للرئيس محمد بن الغزوانى لم تحدث من قبل ) ، والعمده عبد الله هنا يمثل الدولة وينفذ خططها التنموية التي يحميها الجيش ويوفر لها الإستقرار لتصل إلى هذه المناطق البعيدة في إطار بناء الدولة اقتصاديَّا وتنمويَّا ، واستغلال كل المعطيات المتاحة ، وقدرة الرئيس غزواني على اللعب بالمتناقضات وعليها بذكاء شديد ، نتيجة خبرات أمنيَّة تراكمت لديه على مدى عقود ، وروح صوفيَّة تميل إلى التجرُّد والتجريد ، مستندا في تقييماته للحال إلى عقلية متزنة لا تميل إلى التهور ولا التقلبات المزاجية ، ليعزز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، ويبتعد عن المواقف المتشدِّدة التي تستغلها قوى داخلية بتواطؤ أحيانًا مع قوى إقليميَّة، في إطار سياسة المحاور والاستقطابات ، و النأي ببلاده عن التحالفات الموجهَّة و التزامه الحياد الإيجابي ، فلم يرهن قرار بلاده ولا موقفها الدولي في غرف الحكم وأروقة أجهزة المخابرات الدوليَّة الكبرى فتصمد بلاده أمام المتغيرات الجيوسياسيَّة ، و يقوم بتحركات استباقيَّة تحمي دولته ، منها قرارات التي اتخذها فمنعت أي محاولة اقليمية او دولية للتدخل في الشأن الداخلي الموريتاني، وبدد التوجس من موريتانيا تجاه القضايا الإقليمية مؤكدا أن مواقفها تنبع من حرصه على سيادة القرار الموريتاني دون إيذاء الجيران ، ومن هذه الأمثله رفض الرئيس ولد الغزواني إغلاق معبر الكركرات استجابة لضغوط الجزائر عليه لاتخاذ هذه الخطوة ، و كذلك رفض الانخراط في أي تكتل مغاربي يقصي المغرب، كما رفض الوقوف ضد مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجيري ، وأستطاع أن يجعل بلاده تُمارس حقها الكامل في بناء الشراكات النزيهة كما ترى وتريد ، كشراكات قائمة على الاحترام المتبادل للسيادة ، و إعلاء المصالح المشتركة، دون الإستجابة لضغط معلن أو غير معلن من أي دولة ، وبدون مناورات إعلامية للضغط . و هو ما يجعلني أرى أن التقارب مع الجزائر أو غيرها من القوى الدولية أو الإقليمية لا يمكن أن يُفهم إلا في سياق السيادة والمصلحة العليا لموريتانيا، وأن يُقرأ باعتباره مكسبًا للدولة الموريتانية دون تأويلات منحرفة ،وتتخذ قرارات الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قوتها من خلال قدرته على المناورة ،و قد أسهمت منافسات المغرب والجزائر ، وكذلك الإستقرار الأمني في محيط إقليمي يزداد إشتعالا وتقلبا في تزايد الاحتياج الدولي لهذه الدولة الناشئة، وتجلى في تهافت كثير من القوى والمؤسسات الدولية للتعاون مع موريتانيا والإستثمار فيها بإعتبارها ملاذا آمنا ، فاستغلها الرجل تحسبًا لما هو قادم من توترات في العالم كله وإحتمال نشوب حرب كونية ، وقد باتت موريتانيا الآن محط أنظار القوى المتنافسة بشراسة في المنطقة وخصوصا على النفوذ في أعماق القارة السمراء.نتيجة المؤشرات الدالة على تنامي الثروات الطبيعية ذات الطابع الاستراتيجي في أمن الطاقة والصناعات التكنولوجية المستقبلية، ما سيمنح البلد فرصة واعدة في النهوض الاقتصادي وتقوية مبادلاته مع الخارج ومسارعة شركاء الفوائض المالية للإستثمار فيها استفادة من الموقع الهام الذي سيكون له دور حاسم في تقوية دورها كجسر للتبادل بين أوروبا وشمال القارة السمراء وغربها ووسطها، وإضافة للآفاق الاقتصادية والتجارية التي يتيحها هذا الموقع، في تأمين الإستثمار في مجالات الطاقة النظيفة، والمعادن الخضراء، والزراعة من خلال الموقع الاستراتيجي الذي يؤهلها لأن تكون مركزًا لوجستيًا دوليا ، و تأمين إستثمار الموارد الهائلة التي تحظى بها (ذهب وحديد وفوسفات ويورانيوم وغيرها من المعادن الهامة ومن الموارد البحرية ) و في تقديري أن الدور الذي يمكن لموريتانيا أن تلعبه الآن والموقع الإستراتيجي سيدفعان الغرب للحفاظ على استقرار موريتانيا سياسيا وأمنيا، وإقتصاديا بالدعم والإستثمار ، وضح الأموال الساخنة الباحثة عن ملاذات أمنة مما سيرفع حالة الرفاهية ويؤدي إلى التوسع الإستهلاكي لدي المواطنين أو الفئة الأعلى ماديا ، لكنه سيجعلها تغوص فى وحل الاستهلاك، وهو أخطر ما سيتعرض له الشعب والدولة فى موريتانيا في ظل هذا الإعلام الذي يحاول الدكتور الحسين ولد مدو معالجة أوضاعه وضبط أدائه للإفادة البلاد ودعم استقرارها