في خطوة نادرة ومؤثرة، وجّه العباس أغ انتالا، المكلف بالمصالحة في جبهة تحرير أزواد، رسالة مفتوحة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حمّله فيها مسؤولية أخلاقية ودينية تجاه ما وصفه بـ”التناقض الصارخ” بين الخطاب الإسلامي الرسمي لأنقرة، والممارسات الفعلية على الأرض، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي التي تشهد انتهاكات واسعة ضد المدنيين المسلمين.
الرسالة، التي كُتبت بلهجة صريحة ومؤلمة، عبّرت عن استياء عميق لدى شرائح واسعة من المسلمين في دول الساحل الثلاث (مالي، بوركينا فاسو، والنيجر) من الدور المتنامي لتركيا في تسليح الأنظمة العسكرية التي وصلت إلى الحكم عبر الانقلابات، وتورطت في عمليات قمع وتهجير وقتل جماعي، لا سيما ضد الطوارق والعرب و الفلان في أزواد و ماسينا و بوركينا فاسو .
تناقض مؤلم بين المبادئ والمواقف
أغ انتالا، وهو أحد أبرز وجوه العمل السلمي في شمال مالي، استحضر في رسالته رمزية تركيا ما بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، عندما وقف الشعب التركي دفاعًا عن الديمقراطية، متسائلًا بمرارة: كيف لدولة يقودها رئيس منتخب أن تدعم اليوم قادة انقلابات أطاحوا بحكومات منتخبة في دول إفريقية؟
وأردف: “هل يعلم الشعب التركي أن حكومته تزود بالسلاح أنظمة تقتل مسلمين عزّل، لا لشيء سوى مطالبتهم بحقوقهم؟”
تركيا.. نصير المستضعفين أم شريك في القمع؟
على مدى السنوات الأخيرة، سعت تركيا إلى تعزيز حضورها في القارة الإفريقية من بوابة التعاون العسكري والدبلوماسي والاقتصادي، مقدّمة نفسها كحليف للمظلومين ومناصر للقضايا العادلة، لا سيما في الخطاب الذي يتبناه الرئيس أردوغان في المحافل الدولية، كقضية فلسطين وحقوق مسلمي الروهينغا.
لكن الرسالة تضع هذا الخطاب على المحك، إذ تقول صراحة إن دعم تركيا لحكومات الساحل بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية – وفي مقدمتها الطائرات المسيرة – يجعلها، “ولو من حيث لا تقصد”، طرفًا مباشرًا في المأساة التي يعيشها المسلمون في تلك المناطق.
صرخة من أزواد.. إلى أنقرة
جاءت الرسالة بصيغة أخوية، تستند إلى المرجعية الإسلامية، مستشهدة بآيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية تؤكد على وجوب نصرة المظلومين، وعدم خذلان المسلمين لبعضهم، لتسأل في ختامها: “أين هذه المعاني السامية من السياسات التي تمد السلاح إلى من يستبيح دماء الأبرياء من المسلمين؟”
واختتم أغ انتالا رسالته بنداءٍ محمّل بالرجاء لا بالخصومة، داعيًا القيادة التركية إلى مراجعة مواقفها والوقوف إلى جانب الشعوب لا الحكام، مؤكدًا أن التاريخ لا يرحم، وأن دماء المسلمين لا تسقط بالتقادم.
مجازر يومية بطائرات تركية
تعمل الطائرات المسيرة التركية على قصف المدنيين و ممتلكاتهم بشكل مستمر في أزواد وأسفرت غاراتها عن أزيد من 500 قتيل منذ بداية مالي انتهاكاتها ضد الشعب الأزوادي أغسطس 2023 ، ولا تزال هذه المسيرات التي قدمتها تركيا المسلمة إلى المجالس الانقلابية في الساحل بإدارة فاغنر تؤرق السكان المحليين وتنشر الرعب بشكل يومي، ولا تميز ضرباتها بين الأطفال و النساء و الشيوخ ، ولا تفرق بين السيارات العسكرية و المدنية كل ما يتحرك يعتبر هدفا سهلا لها .
إلى أين تمضي تركيا في إفريقيا؟
تعيد هذه الرسالة فتح النقاش حول طبيعة الدور التركي في إفريقيا، والذي أصبح في السنوات الأخيرة محط انتقادات حقوقية متزايدة. ففي الوقت الذي تحاول فيه أنقرة بناء تحالفات استراتيجية في الساحل، يُخشى أن يكون الثمن هو فقدان البوصلة الأخلاقية التي طالما رفعتها تركيا في وجه الغرب.
تبقى الكرة الآن في ملعب صانع القرار التركي. فهل يُعيد النظر في سياساته بناءً على نداءات صادقة من ضحايا القمع؟ أم أن المصالح الجيوسياسية ستظل تتقدم على المبادئ التي نادى بها الرئيس أردوغان لعقود؟