تصاعد الهجمات ضد الجيش المالي : جماعة نصرة الإسلام والمسلمين توسّع عملياتها وسط أزمة سياسية وأمنية خانقة
تشهد مالي تصاعداً خطيراً في الهجمات المسلحة التي تقودها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الذراع الجهادي الأقوى في منطقة الساحل، في وقت تعيش فيه البلاد حالة من الانسداد السياسي والاستبداد المتصاعد عقب الانقلاب العسكري وتثبيت السلطة الدكتاتورية.
ففي بيان جديد صادر عن مؤسسة الزلاقة للإنتاج الإعلامي، الذراع الإعلامية للجماعة، أعلنت الأخيرة سيطرتها على موقع عسكري تابع للجيش المالي في بلدة ديوبا الواقعة بولاية كوليكورو، في عملية توصف بأنها نوعية نظراً لموقع البلدة القريب من العاصمة. كما أعلنت الجماعة أيضاً عن سيطرتها على ثلاث بوّابات عسكرية في ضواحي بلدة دجابلي التابعة لولاية سيغو، مما يعكس توسّع نفوذها في قلب المناطق الجنوبية من البلاد.
وفي تطوّر لافت وخطير، أفادت مصادر محلية بوقوع هجوم خامس في بلدة زانتيجلا، الواقعة على بُعد نحو 30 كيلومتراً فقط من العاصمة باماكو، بين منطقتي فانا وباماكو. وتُعتبر زانتيجلا إحدى البوابات الجغرافية الحيوية المؤدية إلى العاصمة، وهو ما يشير إلى أن الجماعة قد تكون بصدد اختبار قدرة الدولة على الدفاع عن مركز الحكم ذاته.
ورغم أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لم تتبنَّ هذا الهجوم الأخير حتى لحظة كتابة هذا المقال، فإن أسلوب العملية وموقعها وطبيعة الأهداف تتسق مع نمط عملياتها السابقة، خصوصاً أنها كانت قد كثّفت هجماتها على مواقع عسكرية محصنة في الأشهر الأخيرة.
عشرات القتلى وسقوط المنظومة الأمنية
الهجمات الأخيرة، والتي أسفرت وفق المعلومات الأولية عن عشرات القتلى في صفوف الجيش المالي، تعكس هشاشة المنظومة الأمنية في البلاد، رغم الدعم الروسي الذي يتلقاه النظام من قوات فاغنر والمعدّات الثقيلة.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات الأمنية تأتي في سياق الانهيار المتواصل لمؤسسات الدولة، بعد أن فشلت السلطة العسكرية بقيادة أسيمي غويتا في تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد محاربة الإرهاب، رغم ادعائها الاستقلال عن فرنسا والتحرّر من “الوصاية الخارجية”.
بل على العكس، فإن حالة القمع السياسي وتفكيك الأحزاب وغياب الحياة الديمقراطية دفعت بالبلاد إلى مزيد من الضعف والانكشاف أمام الهجمات المتطرفة، في وقت يعاني فيه المواطن المالي من الفقر وانعدام الأمان وغياب الأمل في المستقبل.
مخاوف من توسع الهجمات نحو العاصمة
الهجوم على زانتيجلا يثير مخاوف جدّية من إمكانية انتقال العمليات المسلحة إلى العاصمة باماكو نفسها، وهو ما قد يُدخل البلاد في منعطف خطير للغاية، خاصة إذا ما ثبت عجز المؤسسة العسكرية عن تأمين ضواحي العاصمة.
وفي ظل هذا التصعيد، تبقى مالي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما معالجة الجذور السياسية والأمنية للأزمة من خلال عودة الحكم المدني والانفتاح على حوار شامل، أو الانزلاق أكثر نحو الفوضى والانهيار الشامل، في ظل استمرار تصاعد الهجمات الجهادية، وفقدان الدولة لسيطرتها حتى على أهم المراكز الحيوية.